يشكّل الدستور عملاً مركّبًا يهندس المعادلة الثلاثية المتمثّلة في السلطة والقيم والثروة، كما
يرتّب التفاعلات السياسية وميزان قوّتها على هيئة مقتضيات تحدِّد قواعد اللعب بين مختلف
مستويات النظام المباشرة وغير المباشرة، وهو ما يجعله مفتوحًا على فعل التفسير ومخاطر التأويل
بحسب عامليّ الزمان والمكان، وبحسب رجحان ميزان القوة إلى فائدة هذا الطرف أو ذاك. ومن
هذا المنطلق، فإن الصياغة الدستورية، في معناها السكوني، لا تعني إيجاد قواعد ثابتة لموضوع
ديناميكي متغير باستمرار، بل هندسة مرنة مجهزة بمقومات لوحة للقيادة تضمن السير العادي
للمؤسسات الدستورية، وتعمل على ضمان التوازن.
ليس الدستور، إذًا، مجرد عمل معياري اختزالي لأهم محاور الإصلاح السياسي، بل هو عمل
قادر على وضع الإطار العام وتحديد الأهداف والمبادئ الأساسية، التي تكون لها القدرة على
التكيّف مع التحولات بقصد الاستفادة من الفرص المتاحة أو الممكنة، والتحكم في المخاطر
المتوقَّعة وغير المتوقَّعة.
ما نخلص إليه من طرحنا مختلف هاته الاهتمامات في الصناعات الدستورية، هو نموذج تحليلي
من أجل قياس الثابت والمتحوِّل في الإصلاح الدستوري المغربي لسنة 2011 وتمفصلاته كفعل،
لنرى ما إذا كان يعكس قيمة مضافة تتماشى ومقاصد الثورات العربية، أم أنه مجرد تحصيل
حاصل من حيث نوعية مقتضياته في الأمور المرتبطة ببنية السلطة.