صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا العدد السابع والخمسون من الدورية العلمية المحكّمة "سياسات عربية" التي تُعنى بالعلوم السياسية والعلاقات الدولية، وتصدر كلّ شهرين. وقد تضمّن العدد ملفًا خاصًّا بعنوان "الرياضة والسياسة" اشتمل تقديمًا بعنوان: "سياسة البحث بوصفها عملية مبنية اجتماعيًا: مقاربة بنائية للرياضة بين التعددية والنسبية" لمحفوظ عمارة. ضم الملف الدراسات الآتية: "اللعبة المتمرّدة: تاريخ سياسي لكرة القدم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بين العالمي والمحلّي" ليان بوس ورينيه وايلدانجل، و"الإعلام والرياضة أداتان لبناء السمة الوطنية والتسويق لها: الاستراتيجية القَطرية نموذجًا" لكمال حميدو، و"قياس قدرات الدول على استخدام الرياضة أداة للقوة الناعمة: مؤشر القوة الرياضية العالمية" لنديم ناصيف، و"قراءة في تحولات المقاطعة الرياضية لإسرائيل وتأثيراتها" لإيهاب محارمة. وفي العدد ترجمة علي حاكم صالح لدراسة "الدولة والاقتصاد والرياضة" لبيير بورديو، وترجمة محمد حمشي لدراسة "عن قابلية مبادئ حوكمة الرياضة وقيمها للنقل خارج الغرب" لإيان هنري. واشتمل باب "التوثيق" على توثيق لأهمّ "محطات التحوّل الديمقراطي في الوطن العربي"، و"الوقائع الفلسطينية"، و"وثائق التحول الديمقراطي في الوطن العربي" في المدة 1/5-30/6/2022. وفي باب "مراجعات الكتب"، أعدّ عبد الكريم أمنكاي مراجعة لكتاب "الشعبوية في الرياضة، والترفيه والثقافة الشعبية" تحرير بريان كليفت وآلان توملنسون.
يوفّر تطبيق المقاربة البنائية عددًا من الرؤى التعدّدية في دراسة الرياضة، بوصفها ظاهرة اجتماعية معقّدة. فبدءًا من شروط الحداثة، التي تعرَّف عادة بأنها منتج غربي، وهيمنتها على السرديات المحيطة بظهور الرياضة وعقلنتها، بات الغرب هو الذي يحدّد منطقة الرياضة وتاريخيتها. ومع أن هناك اعترافًا بالإسهام الغربي في التحديث، فإن المرء يحتاج أيضًا إلى النظر في تأثير الثقافات والحضارات الأخرى في نشأة الحداثة، من خلال المعرفة والعلم والابتكار. ثم إن هناك اختلافات داخل الغرب نفسه، فيما يتعلّق بمفاهيم الجسد )والروح بالمعنى الروحي والديني( والإنتاجية، وكيفية التعبير عنها في التقاليد الرياضية. يجعل هذا الأمر مثلًا التمرّن على إيجاد معيار للمسح الخاص بالثقافة الرياضية وممارستها، في أوروبا الغربية وخارجها، مهمّة ليست سهلة. تهدف هذه المقدمة إلى تقديم النكهة التي يتمتّع بها ثراء الإبستيمولوجيا البنائية وتحدّياتها، بوصفها مدخلًا يساعدنا في دراسة الرياضة. ويشمل ذلك تسليط الضوء على مفاهيم التعدّدية والغيرية في الدراسات الرياضية، وتطبيق تحليل الخطاب لدراسة الرياضة في مختلف التقاليد الثقافية واللسانية، وممارسة النقد حين يتعلّق الأمر بنسبيّتها المحتملة.
عزّز المستعمِرون البريطانيون، في أكثر الأحيان، المصالح السياسية والاقتصادية والعسكرية لوطنهم الأم، وفعلوا ما اعتادوا فعله؛ ممارسة كرة القدم التي كانت - إذا استثنينا أهميتها في قضاء أوقات الفراغ - أداةً استعمارية في "تثقيف" الشعوب المستعمَرة و"ضبطها". وقد لجأت الأندية الأولى في شمال أفريقيا والمشرق إلى الحدّ من عضوية غير الغربيين، وغير البيض. لكنّ كرة القدم لدى الحركات الاستقلالية سرعان ما باتت أيضًا مرسِلًا عابرًا للحدود الوطنية، لتغدو الملاعب الرياضية فضاءات اجتماعية مهمّة على المستويين المحلّي والوطني. وحافظت كل أنحاء المنطقة على سلطة كرة القدم التحرّرية، من العصر الاستعماري إلى الانتفاضات العربية. لكن الثروة الهائلة لدول الخليج، وقرارها الاستثمار في القوة الناعمة لكرة القدم، أسهما في تغيير المعادلة. من هذا المنطلق، ستحاول هذه الدراسة أن تصف، من خلال منظور طويل الأمد، الاتجاهات التحرّرية، والاتجاهات المضادّة للتحرّر في تاريخ كرة القدم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
تبحث هذه الدراسة في جذور المقاطعة الرياضية لإسرائيل، والتحولات التي مرّت بها، وتأثيرها في نظام الاستعمار والأبارتهايد الإسرائيلي. وتناقش الأسباب التي أدت إلى تطور هذه المقاطعة في البطولات الرياضية الدولية الكبرى في العقد الأخير، وكيف أنّ اندلاع الثورات العربية في أواخر عام 2010 ، التي أعطت زخمًا إضافيًا للشباب العربي للاهتمام بمقاطعة "إسرائيل" في العموم، ومقاطعتها رياضيًا على وجه الخصوص، جنبًا إلى جنب مع مطالبتهم بإنهاء الاستبداد والحكم الفردي، قد منح الرياضيين العرب فرصةً لتحويل البطولات الرياضية الدولية الكبرى إلى فضاء للعمل السياسي. وتبين الكيفية التي ظهرت بها المقاطعة الرياضية لإسرائيل في العقد الأخير، بوصفها إحدى أدوات السياسة الدولية التي يمتلكها الرياضيون، وتأثير استعمالها في البطولات الرياضية الدولية في صورة "إسرائيل"، ومكانتها الدولية، وعلامتها التجارية الرياضية، وجهودها الدبلوماسية المتعلقة بتسويق شركاتها الرياضية الناشئة.
قدّم بيير بورديو هذه الورقة بمناسبة استضافة بلده، فرنسا، بطولة كأس العالم في عام 1998 . وهي تمثل آخر نص ينجزه عن الرياضة، بعد أن قدّم عدة نصوص وفصول، بدءًا من أواخر السبعينيات من القرن العشرين، شكّلت جوهرَ إسهامه في سوسيولوجيا الرياضة، التي تكشف عن الجوهر الطبقي للممارسة الرياضية، الذي لا تشكله القاعدة المادية فقط، بل رصيد الرأسمال الثقافي والاجتماعي. والنص الذي تقدّمه سياسات عربية، هنا، يختلف تمامًا عن الطريقة والزاوية اللتين نظر عبرهما بورديو إلى الظاهرة الرياضية سابقًا، فهو يتناول علاقة الدولة بالاقتصاد، ويشير إلى "التسليع" الذي بدأت تشهده الرياضة، ولا سيما مع امتداد المنطق النيوليبرالي إليها، فأصبحت مشهدًا تجاريًا ووسيطًا إعلانيًا، وباتت الفعاليات الرياضية وتوقيتاتها يتحكم بها منطق السوق. ويأسف بورديو على زحف النيوليبرالية إلى بلد ذي تقاليد دولة مركزية، كفرنسا، لتصل إلى الرياضة، وليتخذ منها - في النهاية - فضاء يقدّم عبره مرافعته ضد النيوليبرالية.