لم تكن الألعاب الأولمبية الحديثة، منذ نشأتها في نهاية القرن التاسع عشر، مجرّد فضاء للتنافس بين الرياضيين الطامحين إلى حصد الألقاب والميداليات المختلفة، بل شكّلت أيضًا مجالًا للمناكفة بين الدول لما رأته أنظمتها في النجاح الأولمبي من قدرةٍ على شحذ الشعور القومي وتعزيز شرعيتها، وحتى إبراز تفوّقها الأيديولوجي في مواجهة خصومها الداخليين والخارجيين. وفي المقابل لم تكن كلّ الدول التي حكمتها أو تحكمها الأنظمة السلطوية على المستوى نفسه من النجاح، إذ تُظهر حصيلة نتائج الدول ذات النظام السلطوي تفاوتاتٍ كبيرةً على مرّ الدورات الأولمبية. تنظر هذه الدراسة في أسباب هذه التفاوتات؛ وذلك بالتركيز على دور شخصنة النظام السلطوي بوصفه عاملًا مفسِّرًا لها، إذ تبيّن عن طريق تحليلها معطيات تغطّي الفترة 1948-2008 أنّ قدرة أيّ بلد يحكمه نظام سلطوي على حصد الميداليات الأولمبية تتأثّر بمستوى شخصنة الحكم، فكلّما ارتفع مستوى شخصنة النظام السلطوي انخفضت حصيلة البلد من الميداليات الأولمبية، بغضّ النظر عن طبيعته (حزبي، ملكي، عسكري، فردي)، ودون أن يلغي ذلك محورية العوامل البنيوية المتحكّمة تقليديًّا في تألّق أيّ بلد في المنافسات الرياضية الدولية، وعلى رأسها مستوى النماء الاقتصادي وعدد السكّان.