منذ ما اصطُلح عليه ب "الثورة السلوكية" في العلوم السياسية في خمسينيات القرن العشرين، أصبحت المناهج الكمّية، بمختلف أنواعها، إحدى أهمّ الأدوات المنهجية الّتي يعتمد عليها الباحثون لدراسة الظواهر السياسية، خصوصًا أولئك الذين يُصنّفون إبستيمولوجيًا في خانة المقاربة الوضعية الإمبريقية. من هذا المنطلق، تسعى هذه الدراسة إلى الإسهام في تشخيص حال هذا المنهج داخل العلوم السياسية العربية، من خلال، أوّلاً، الوقوف على مدى استخدام إحدى أهمّ أدواته المتمثّلة في الإحصاء الاستدلالي، انطلاقًا من تحليل عينة مكوّنة من أكثر من ثمانية آلاف بحث نُشرت في ثمانٍ وعشرين دورية محكّمة عربية. ثانيًا، المجادلة في أنّ الحضور الهامشي للمنهج الكمّي الذي يظهره هذا التحليل يؤثّر سلبيًا في قدرة العلوم السياسية العربية على الخوض بفعالية في البحث العلمي حول بعض الموضوعات ذات الأهمّية البالغة لمجتمعاتنا وقضاياها السياسية. ثالثًا، اقتراح السبل الممكنة لتجاوز هذا الوضع، وعلى رأسها النهوض بالتدريب على المناهج الكمّية في الجامعات العربية.