ارتأت دورية "حكامة" أن تتناول موضوع سياسات استقلال القضاء في البلدان العربية، وذلك بالنظر إلى أوجه القصور التي تشهدها منظومات العدالة العربية، بما في ذلك ضعف إدراك العلاقة المتشابكة بين مؤسسات العدالة وأدائها القضائي الناجز من جهة، وكفاءة الحكم من جهة أخرى. ويطرح سؤال الاستقلال تساؤلات فرعية أخرى، أهمها ما يخص تموضع القضاء في البنية الدستورية والتشريعية، وتنظيم القضاء وتأثيره في وضعية الاستقلال، وثقافة العمل القضائي والتنشئة المهنية للقضاة، فضلًا عن حوكمة المنظومة القضائية، وضبط العلاقات داخلها، وكذلك بينها وبين مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية. ويتضمن الملف دراسة مقارنة ودراستين عن المغرب والأردن وورقة سياسات عن العراق.
يعد استقلال القضاء إحدى السمات المميزة للنظم السياسية الحديثة. وعلى الرغم من ذلك، فإن ثمة ندرة في الدراسات العربية المعنية بهذا الموضوع. تحاول هذه الدراسة إلقاء الضوء على حالة استقلال القضاء في الوطن العربي، وترتكز على البحث في مدى استقلال مؤسسات الرقابة على التشريعات والمجالس القضائية العليا؛ ذلك أن الأولى تؤدي دورًا محوريًا في ترسيخ مبدأ سمو الدستور، بينما تؤدي الأخرى دورًا أساسيًا في إدارة العدالة. وقد خلصت الدراسة إلى أن هذه المؤسسات، على الرغم من إنشائها في الدول العربية في مرحلة ما بعد الاستقلال، لم تكن دليلًا على تنمية سياسية حقة. ففي الغالب، حاولت أنظمة الحكم إنشاء هياكل تحاكي مثيلاتها في الديمقراطيات شكليًا، لكن من دون منحها استقلالًا يمكنها من أداء وظائفها. وعمل كثير من هذه الأنظمة على إخضاع المجالس القضائية العليا ومؤسسات الرقابة على التشريعات (محاكم دستورية، ومحاكم عليا، ومجالس دستورية). وتمثل أبرز مظاهر ذلك في إصرار السلطة التنفيذية على التحكم في عملية تشكيل هذه المؤسسات.
تهدف هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على أحد أهم المواضيع راهنيةً وأهميةً في السياق الدستوري والمؤسساتي والقانوني في المغرب، ألا وهو استقلال القضاء. ويتم ذلك من خلال استعراض الإطار التأسيسي المرجعي لاستقلال السلطة القضائية، وتحليل مختلف التحولات الهيكلية التي عرفتها، وتجلياتها، تشريعًا وتنظيمًا، فضلًا عن إبراز الدعامات اللازمة لإرساء سلطة قضائية مستقلة، مع ما يثيره كل ذلك من تساؤلات وتحديات وإكراهات على مستوى الفعل والممارسة. وقد جرى التركيز في المحور الأول من هذه الدراسة على تحليل طبيعة الضمانات الدستورية والقانونية لاستقلال السلطة القضائية ونوعيتها، وتناول المحور الثاني واقع استقلال السلطة القضائية من خلال العديد من المؤشرات والوقائع التي تبين أنه على الرغم من التقدم المحرز في هذا الخصوص، فالمغرب ما زال في حاجة ماسة إلى مزيد من الجهود من أجل ترسيخ استقلالية السلطة القضائية في واقع الممارسة. وانتهت الدراسة إلى تقديم مجموعة من المقترحات العملية التي من شأنها تعزيز الاستقلال الفعلي للسلطة القضائية في المغرب.
تتناول هذه الدراسة استقلال القضاء الأردني في ظل دستور 1952، والتعديلات الدستورية في عام 2011 والقوانين المنظمة للقضاء؛ أي ما سُمّي بقوانين استقلال القضاء ما بين دستورَي 1952 و2001، ومبادرات الإصلاح التي اتُّخذت لتطوير منظومة القضاء، ومراجعة قانون استقلال القضاء عام 2014 وتعديلات عام 2019. وتتبنى الدراسة المنهج القانوني لتحليل استقلال القضاء، وتحليل سياسات الدولة تجاه القضاء، وأهم التغييرات التي طرأت على استقلال القضاء بوصفه سلطة عامة للدولة خاضعة لرقابتها، سواء كانت إيجابية أو سلبية، بما في ذلك مدونة السلوك القضائي. وتقدّم الدراسة أهم الانتقادات والتوصيات في هذا السياق. وجدت الدراسة تحديات عدة تواجه القضاء، منها فقدان مفهوم القضاء الموحد، وإنشاء محاكم غير تابعة للسلطة القضائية تسيطر عليها السلطة التنفيذية، وعدم توافق قوانين التنظيم القضائي الأردني مع الضمانات الدستورية لاستقلال القضاء.
تهدف هذه الدراسة، أوّلًا، إلى دراسة العلاقة السببية بين حجم الحكومة والنموّ الاقتصادي في عدد من دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط خلال الفترة 2000 - 2020، وتأثير ثورات الربيع العربي أيضًا في هذه العلاقة. وتهدف، ثانيًا، إلى اختبار العلاقة غير الخطّية بين حجم الحكومة والنموّ الاقتصادي أو ما يعرف بمنحنى بارس، الذي يحدّد الحجم الأمثل للحكومة، وذلك باستخدام منهجية تحديد العتبات أو الحدود. وتشير نتائج الدراسة إلى وجود علاقة سببية بين حجم الحكومة والنموّ الاقتصادي، وأنّ زيادة الإنفاق الحكومي الاستهلاكي بمقدار 1 في المئة قد أدّت إلى انخفاض معدّل نموّ الناتج المحلّي الإجمالي نحو 2.4 في المئة لإجمالي دول العيّنة خلال فترة الدراسة. وتؤكّد النتائج كذلك التأثير الجوهري لثورات الربيع العربي في حجم الحكومة وعلاقته بالنموّ الاقتصادي بعد عام 2011 إلى نهاية فترة الدراسة مقارنة بالفترة التي سبقتها، الأمر الذي يشير إلى العلاقة غير الخطّية بين الإنفاق الحكومي والنموّ الاقتصادي. وأخيرًا، تُظهر النتائج وجود منحنى بارس في الدول التي شهدت ثورات، ومن خلال ذلك تبيّن أنّ الحجم الأمثل للحكومة يتحدّد بنسبة إنفاق حكومي تبلغ 9.75 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي في المتوسّط.
تستهدف هذه الورقة، بعد استعراض تاريخي لاستقلالية القضاء في العراق منذ 1921، تسليط الضوء على الانحرافات والإشكالات التي نشأت في العراق منذ تجربة الانتقال الديمقراطي عام 2003، والتي نجمت جرّاء فصل السلطة القضائية بصورة تامة وغير متوازنة عن بقية السلطات، ومنحها استقلالية "مفرطةً" وغير مسؤولة. ترى الورقة أن هذا النمط من الاستقلال أوجد عدة صراعات داخل القضاء ذاته، كما أدخل القضاء قسْْرًا ضمن العملية السياسية ومعادلاتها؛ ما أدى إلى تسييسه. انتهت الورقة إلى اقتراح عدد من الإصلاحات المؤسسية داخل القضاء، كما أوردت عدة نماذج مقترحة لإعادة هيكلة السلطة القضائية من الداخل، ولضبط علاقتها بالسلطات الأخرى، وذلك على أساس متوازن، يؤسس لقضاء مستقل ومسؤول، ويكبح تسييس القضاء، ويجنب البلاد نشوء "أوليغارشيات أو دكتاتوريات قضائية".
من الشائع أنّ الاستقلال القضائي وحكم القانون سمتان أساسيّتان للديمقراطية المعاصرة. سوف نبحث هذه المقولة، استنادًا إلى الأدبيات المقارنة المتزايدة عن المحاكم، بالتركيز على سؤالين محوريين: كيف يؤثّر نمط النظام السياسي في استقلال القضاء؟ هل المحاكم المستقلة ضرورية دومًا لتأسيس حكم القانون؟ ومن خلال إلقاء الضوء على دور التجزّؤ المؤسّسي والرأي العام، سوف نوضح ما يجعل النظم الديمقراطية أقرب من النظم الدكتاتورية إلى إقامة المحاكم المستقلة وحكم القانون. كما أننا نأخذ في الاعتبار أيضًا معضلة عدم الاستقرار المؤسّسي التي تسم المحاكم في العديد من البلدان النامية، ونشير إلى عدد من الأسباب التي يمكن أن تحول دون أن تكون الديمقراطية فعّالة على الدوام في قيام أيّ منهما. ونُبيّن، أخيرًا، أن المحاكم المستقلّة ليست ضرورية دومًا لحكم القانون، ولا سيما حيث يكون دعم الحقوق الفردية منتشرًا نوعًا ما.