ينطلق هذا البحث من حالتين استثنائيتين بارزتين، هما معتقل غوانتانامو وقضية فلسطين،
ليستكشف ما يعتري عالم العولمة الحالي من إحراجات على صعيد العدالة وإحقاق الحقّ. وما
يكشفه من ذلك كلّه –كما من مراجعة أدبيات الاستثناء على مرّ تاريخ الأفكار ومن العودة إلى تاريخ
الرأسمالية بعد مرحلتها الإمبريالية وصو إلى بنيتها الجديدة اليوم- هو أنّ العالم الحالي الواحد من
عدّة أوجه قد أوغلت فيه الاستثناءات على نحو صار معه الاستثناء يجري مجرى القاعدة، وصار
يُقال إنّ العالم كلّه محكوم بالاستثناء الذي مهما ظهر بمظهر المؤقَّت، فهو ضرب من الاستراتيجيا
البعيدة المدى وضرب من التقنين والتشريع الذي تعمّ آثاره المكان وتدوم في الزمان.
واللافت، على مستوى المبنى والصَّوغ، أنّ هذا البحث ينتبه إلى أنَّ الخطاب في ما يُعَدُّ «حالةً
استثنائية » في حقل ممارسات العدالة إنما يفرض استثناءً في حقل البيان والبلاغة، وهو ما جعل
البحث يأتي في هيئة مقاطع وشّذَرات، الأمر الذي يجعل قدرتها على بيان مآزق العدالة أو
«إحراجاتها » والتنبيه إلى «الفراغات الحقوقية » وتشخيصها بالسرد أجدى من مجرد الاستدلال
عليها بمقتضى التسلسل السببي، على الرغم من أن الاستدلال يظل أوْلى وأصوب في سائر
مسائلِ الحقّ والسياسة.