تمت عملية الإضافة الى سلة التسوق بنجاح لديك الآن  مادة/مواد في سلة التسوق الخاصة بك
  • شارك:
لبنان: من المتصرفية العثمانية إلى دولة لبنان الكبير (1858-1920) – التكوين التاريخي في إطار الاتجاهات الاجتماعية-السياسية في المشرق العربي
  • المؤلفون:
  • وجيه كوثراني
  • رقم الطبعة : الطبعة الأولى
  • سنة النشر : 2024
  • عدد الصفحات : 352
  • 9786144456323 ISBN:
  • السعر :
    10.00 $
  • بعد الخصم :
    8.00 $
  • الكميّة:
  •  

 

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب لبنان: من المتصرفية العثمانية إلى دولة لبنان الكبير (1858-1920) – التكوين التاريخي في إطار الاتجاهات الاجتماعية-السياسية في المشرق العربي للكاتب والمؤرخ المخضرم وجيه كوثراني. وهو طبعة رابعة (وخامسة غير مرقّمة) لمادة تاريخية ثريّة غنية، تتعلق بتاريخ لبنان الصغير والكبير وملابسات إنشائه في الظروف الدولية والعثمانية، تطوّر فيها فكر الكاتب على إثر مروره بعدة تجارب بين الطبعتين الأولى والأخيرة، جعلته يعتبر مادة الكتاب التاريخية قديمة تستوجب طرح أسئلة للارتقاء بالقراءة التاريخية للبنان في ضوء ما مر به من أحداث جسام بين حربَي ستّينيات القرن التاسع عشر وثمانينيات القرن العشرين الأهليتين. يقع الكتاب في 352 صفحة، شاملةً ببليوغرافيا وفهرسًا عامًّا.

البدايات الأولى والتطور

أصل الكتاب أطروحة دكتوراه لم تناقَش في جامعة بروكسل، لوفاة المشرف عليها، وكانت بعنوان Les mouvements sociaux-politiques au Liban – 1858-1920؛ ما اضطر الباحث إلى الانتقال بها إلى جامعة السوربون في عام 1974 لتناقش منذ أربعة عقود أمام لجنة مؤلفة من كبار المؤرخين الفرنسيين، منهم من تخصص في الشأن اللبناني وكتب عنه، مثل دومينيك شوفالييه Dominique Chevallier صاحب كتاب مجتمع جبل لبنان في عصر الثورة الصناعية في أوروبا La société du Mont Liban à l'époque de la révolution industrielle en Europe، ومثل جاك كولان Jacques Couland المتخصص في الحركات العمالية اللبنانية وصاحب كتاب الحركة النقابية في لبنان (1919-1946): تطورها خلال الانتداب الفرنسي من الاحتلال إلى الجلاء وقانون العملLe mouvement syndical au Liban (1919–1946): Son évolution pendant le mandat français de l'occupation à l'évacuation et au Code du travail، لتبدأ الرسالة رحلتها نحو عالم النشر، بادئة بمعهد الإنماء العربي الذي أخرجها في عام 1976 إلى القرّاء كتابًا بعنوان الاتجاهات الاجتماعية-السياسية في جبل لبنان والمشرق العربي 1860-1920: مساهمة في دراسة أصول تكوّنها التاريخي (406 صفحات). وقد شهدت رواجًا وإقبالًا من القرّاء دفعَا المعهد إلى إصدار طبعتين أخريين من الكتاب (الثانية والثالثة) في عامَي 1978 و1982 تواليًا. ثم أصدرت الكتابَ منشورات بحسون الثقافية في عام 1986 من دون ترقيم للطبعة، مع الإشارة إليها بعبارة "طبعة جديدة منقّحة ومزيدة" (424 صفحة)، مع بعض الاختلاف في عنوانها (الاجتماعية والسياسية بدلًا من الاجتماعية-السياسية، ومن دون ذكر مدى الدراسة الزمني، وبإحلال عنوان فرعي آخر هو من المتصرفية العثمانية إلى دولة لبنان الكبير بدلًا من مساهمة في دراسة أصول تكوّنها التاريخي)‏. وها هي الطبعة الرابعة للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في عام 2024 تحافظ على هذا العنوان الفرعي ولكن ضمن العنوان الأساسي لإصدارها لبنان: من المتصرفية العثمانية إلى دولة لبنان الكبير (1858-1920) – التكوين التاريخي في إطار الاتجاهات الاجتماعية-السياسية في المشرق العربي (352 صفحة)، بعد حذف بعض الفصول.

ثمرة سنين من التجربة والخبرة

يقول كوثراني في مقدمته على الطبعة الرابعة إنه عمل في كتابه هذا بإلهام من قول ماكس فيبر إنّ كل عمل علمي يجب أن يستولد أسئلة جديدة تجعله مع الوقت قديمًا وعُرضةً للتجاوز. ولذلك فقد توقّف عند أسئلة جديدة، فرضتها الحرب الأهلية في لبنان في عام 1975 وجعلته ملتبِسَ الفكر في أمر إصدار مؤلَّف جديد لا يتضمن أمر الحرب وهواجسها وأسئلتها وقلق معايشة سنتيها المأساويتين، على غرار: أستقتصر الحرب على السنتين أم ستطول؟ هل سيحتوي الكتاب على إشارة إلى علاقة ما بين صدوره في وقت الحرب الأهلية (1976) وبين موضوعه، وهو حرب جبل لبنان في ستينيات القرن التاسع عشر؟ وهي أسئلة لم تكن معزولة عن تعليقات المثقفين الذين تتنازعهم الحرب، المادحةِ منها والمنتقدة، والتي عكست اختلاف إجاباتهم عن أسئلة الكتاب وتعدد أيديولوجياتهم حول مسائل كبرى، مثل: الهوية وحقوق الطوائف وفلسطين والمقاومة والإصلاح‎ وغيرها، مع استمرار ذاكرة "الجماعات" اللبنانية خلال تلك الحرب في استعادة عناوين ‏الصراعات المختلفة‎:‎‏ الإمارة، والأحداث الطائفية‎، وخصوصية ‏الجبل، وإعلان ‏‎"‎لبنان الكبير‎"‎، ودستور ‏‎1926‎‏ (‎إعلان الجمهورية)‎، وميثاق ‏‎1943‎، وغيرها. فجاء جديد الكتاب فهمًا وتفسيرًا مختلفَين عما هو سائد في ذاكرات الطوائف وخطاباتها، ولا سيما الموارنة وفهمهم للإمارة ووظيفتها، والطائفية وأسبابها، ومحطات تكوين الدولة تاريخيًّا‎.‎‏ وقد تمحور هذا الجديد حول: 1-‎‏ كون ‏‎"‎الإمارة‎"‎ جزءًا من طبيعة التركيب السلطاني ‏العثماني، ‎2-‎‏ كون الصراع الطائفي في الجبل ومدن الشام نتاجَ تقاطعات بين "الإصلاحات" العثمانية والتغلغل الغربي عبر الإرساليات ‏‎وتدخل القناصل الأجانب، ‎3-‎‏ وجود قوى ‏‎"‎محافظة‎"‎، تركية وعربية، ناهضت الإصلاح وحرّضت المسلمين على الرفض‎.‎

واعتمادًا على الوثائق المحلية والأجنبية، ولا سيما الفرنسية، قدّم الكتاب وصفًا تحليليًّا لمسار ما بعد الانفجار الطائفي في الجبل، جامعًا أحداثًا ومواقف ‏وخطابات لمجموعة متشابكة ومتداخلة من الفاعلين المحليين والإقليميين، ومنهم على سبيل المثال أعيان الطوائف الذين أضحَوا، بعد إلغاء بروتوكول ‏‎1864-1861‎‏ الخاص بالمتصرفية امتيازاتهم، موزَّعين بين الإدارة العثمانية ‏المحلية - البديلة من المقاطعجية والحامية للمالك والتاجر - والقناصل والبطريركية المارونية.‎‏ أما ‏المتصرف العثماني المسيحي غير اللبناني، فكان يستخدم تناقضات أعيان الطوائف لتكبير نفوذه أو تكبير ثروته. وبناء عليه، فقد تشكّل "الثالوث" السلطوي،‎‏ "‎أرض - إدارة – مال"، الذي نمت في ظله الزبائنية السياسية المتزاوجة مع الطائفية في ‏لبنان الصغير (المتصرفية) ولبنان الكبير لاحقًا ‏(‎الجمهورية).‎

وقد بحث الكتاب دور السياسات الدولية في ظهور المواقف السياسية المختلفة في الشرق ‏من الدولة العثمانية والإصلاح واللامركزية والاستقلال والقومية والثورة العربية، بصفتها إطارًا لتكوين الدولة الحديثة في المشرق العربي، ومنها لبنان الكبير، وأهداف هذه السياسات ‏ولزرع المخاوف المتبادلة بين المجموعات اللبنانية الطائفية‎. وهنا تبرز فرضية الكتاب: هل لا نزال نعيد إنتاج الذاكرات الجماعتية ونستمر في صنع هويات متنافرة ومتقاتلة تدمج الإثنية ‏‎بالطائفة؟

ولمّا تولّدت لدى اللبنانيين رهانات على استخدام "الذاكرة-الهُوية" من جهة، وحسابات الدول الكبرى للمنطقة من جهة أخرى، ناقش الكتاب طرحًا للباحث الفرنسي نيكولاس مكسيم بعنوان "‏الهوية القومية في لبنان من خلال معاهدة لوزان"، يذهب إلى أنّ الهدف من كل معاهدات الحرب كان تشكيلَ تجمعات سياسية على مبدأ "القوميات". ولذا عومل لبنان معاملة خاصّة، فمُنح استقلالًا إداريًّا يرتكز على بروتوكول المتصرفية وبعض الامتيازات‎ التي لم تجعله‎‏ مقاطعة عثمانية بل متمتعًا بقومية مستترة بعثتها معاهدة لوزان، وأخرجت "المتخيَّل" في مشروع "الدولة‎-‎الأمة" إلى حيز الوجود، بالنص على مبدأ الهويات القومية، وتحوّل الولايات العثمانية إلى "دول‎-‎أمم" (العراق، سورية، لبنان، فلسطين)، وتوزيعها على الانتدابات الكولونيالية مع تعديل اتفاقية سايكس‎-‎بيكو وفق اقتضاء المصلحة، كما في عام ‏‎1916‎، بجعل الموصل التي اكتشف فيها النفط من حصة الانتداب البريطاني بعد أن كانت ضمن النفوذ الفرنسي، وتحويل فلسطين من مدوَّلة في "سايكس بيكو" إلى البريطانيين لأجل تنفيذ وعد بلفور (1917)، كما كانت "الجمهورية التركية" أكثر الضالعين في تسهيل ما يحدث بقيادة مصطفى كمال أتاتورك. أما مصير سنجق جبل لبنان، فارتبط عمليًّا بمعاهدة سيفر (1920)، التي أطلقت - هي وليس اتفاقية سايكس-بيكو - أياديَ ‏المنتدبَين البريطاني والفرنسي في تقرير مصيره.

ماذا بعد دولة لبنان الكبير؟

يتساءل المؤلف في الكتاب عن دخول دعوة الكاتب كمال الصليبي اللبنانيين إلى الإقرار بلبنانيتهم منذ إعلان لبنان الكبير ومطالبته إياهم بتنظيف تاريخ طوائفهم، حيزَ الممكن، فيقول (بتصرف): لمن يوجّه الصليبي الدعوة؟ أإلى مواطنين أم إلى طوائف‎؟ وبأي صفة؟ أبالصفة الدينية‎-‎المذهبية أم بالصفة السياسية؟ وبعد أن رجّح توجّه الصليبي إلى الطوائف بصفتها جماعات، قال إنّ معادلة التنظيف لديه عروبية إسلامية تهدّئ من الغلو القومي الإسلامي الدمجي، كما تحدّ من المبالغة في تمجيد خصوصية الدولة الطائفية‎-‎المسيحية‎، فضلًا عن أنها أقرّت ميثاقية لبنانية نجحت في تكريس توافق سياسي اهتز بعدها بسبب أخطاء ارتكبت.

وينحو كوثراني إلى أنّ "الطائفيات ‏السياسية تستطيع تحويل الطائفة ‏من حالة دينية إلى كيان سياسي‎"، وأنّ عليها ليس تنظيف منازل الطوائف، ‏‎بل تنظيف السياسات وتنشئة مُواطن منفتح على المعارف والثقافات ومتفهّم خصوصيات ‏الطوائف الأخرى. فالسياسات تؤسس ‏لبيئة تشجّع إعادة النظر في التاريخ عبر التنقيب في طبقاته، وليس نزع قشرة ما ‏علق به من خيوط عناكب طائفية وأيديولوجية وقوموية وماركسوية وادعاءات ليبرالية. وعلى هذه السياسات في المقام الأول عدم "أسطرة" التاريخ لمصلحة حزب أو كيان طائفي سياسي، أو استخدامه للاستقواء ‏السياسي، ببعث صور مستثيرة لذاكرة جماعية طائفية.

حلقة مفرغة أم مطلب قابل للتحقيق

تبدو المطالبة بتنظيف تواريخ الطوائف، في رأي كوثراني، بمعزل عن علمنة السياسة دورانًا في حلقة مفرغة، مستشهدًا بأربع تجارب تشهد لصحة استشهاده، ثلاث ذكرها الصليبي نفسه، وتجربة حصلت معه شخصيًّا: الأولى قام بها سنّيان مقاصديان من لبنان، هما زكي النقاش وعمر فروخ في عام 1935، عرّيا لبنان فيها من كل تاريخية خاصة خارج الإطار السوري، والثانية مسيحية قام بها أسد رستم وفؤاد أفرام البستاني في عام 1937 في كتابهما "تاريخ لبنان الموجز" الذي بالغ في التشديد على طابعٍ خاص للبنان لم يعد ثمة مسلم مستعد للقبول به، والثالثة درزية متأخرة، في غضون الحرب الأهلية في ثمانينيات القرن العشرين، اعتمدت سردية تاريخية تتوافق مع الروحية السياسية الدرزية التي تُوّجت بتحطيم تمثال رمز التمجيد المسيحي فخر الدين المعني في بعقلين في عام 1983. أما تجربة الكاتب الشخصية، فكانت بعد اتفاق الطائف، الذي نصّت وثيقته على اعتماد كتاب تاريخ موحد في لبنان. لكن عدة تجارب قام بها المركز التربوي للبحوث كان مؤداها الفشل: الأولى أنجزت بعضًا من الكتاب المطلوب لكن وزير التربية حينها أوقف العمل به بحجة مساس بعض موادّه بعروبة لبنان، والثانية في عهد وزير تربية كان ‏‎"‎أستاذ تاريخ‎"‎ وكان المؤلف كوثراني عضوًا في لجنتها، وقد أنجزت مخططًا كاملًا ضاع مصيره بين الحكومة ومجلس النواب؛ وأفادت المعلومات المسرّبة أن احتجاجات مسيحية ثارت على حصره درس المقاومة الوطنية في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي دون غيره، كمقاومة ‏الاحتلال السوري على سبيل المثال‎.‎‏

ويتذكر كوثراني شجون سياسات لبنان الحالية ومآسيها في ‏مئويته الأولى، معتبرًا أنها ستطول، استلهامًا من متخيَّل المؤرخ الفرنسي فرناند ‏بروديل المليء بالدروس والعبر وإن في قرنه السادس عشر ‏وبيئته الأوروبية،‎‏ وأهم بنوده أنّ ذاكرات ‏الطوائف وهوياتها لا تبني وطنًا ولا تنشئ مواطنين‎. وعرّج المؤلف على كتابات ميشال شيحا ومقالاته بين عامَي 1936 و1953، التي عبّرت مبكرًا عن مشكلة التركيب البنيوي في الثقافة السياسية اللبنانية السائدة‎، التي تجمع بين الكمّ الهائل من الحماسة لـ "سويسرا الشرق" والنقمة العشواء على طبقة سياسية فاسدة وجاهلة.

بين الصليبي وشيحا المأزق اللبناني قائم

ويتوصل كوثراني إلى أنه منذ نقمة شيحا على ثقافة الطبقة السياسية وسلوكها الوضيع، ونصيحة ‏ الصليبي بتنظيف منازل الطوائف، يبقى المأزق اللبناني قائمًا، لرسوخ عقدته البنيوية التكوينية في نفوس اللبنانيين وذاكراتهم الهوياتية. في حين أنّ بناء المستقبل يدعونا إلى تذكّر تاريخ الاختلاف من أجل النسيان، وبناء وطن قابل للحياة ودولة مواطنين قادرة على تأمين الحرية ‏والمساواة‎، مستشهدًا بقول لإرنست رينان، أنّ جوهر الأمة يتمثل في امتلاك جميع الأفراد أشياء مشتركة، وأشياء ‏للنسيان.

* موقع الكتب الإلكترونية يرحب بتعليقات و مناقشات المشاركين الحية و المهذبة في نفس الوقت ، لذلك نحن لا نتيح شاشة التعليقات ظاهرة و مفتوحة بشكل افتراضي، الى أن يقوم المستخدم بتسجيل الدخول.
البيانات غير متوفرة للمراجعات
الكتب
المقالات
  • في إطار تعاملها مع العلاقة الوثيقة بين الكتابة التاريخية وعملية التذكر، بوصفها وسيطًا لإنتاج السرديات التاريخية، تنطلق هذه الدراسة من فرضية أساسية تشدد على أنه بعد مراجعات عبد الرحمن بن خلدون للكتابة التاريخية العربية والتمييز النقدي، الذي دأب عليه الفلاسفة المسلمون الأقدمون بين المعرفة العقلية والمعرفة الشرعية، لم يجر منذ تلك الأعمال أي تأسيس لنقد إبستيمولوجي جدي وجديد يُسائل المحتوى الأيديولوجي والطبيعة المنهجية للسرديات الكبرى التي أنتجتها الذاكرة التاريخية للمنطقة العربية الإسلامية. ورغم الأشواط الفكرية غير الهينة، التي عرفها البحث التاريخي العربي خلال العقود الخمسة الأخيرة بالاستفادة من الزخم الفكري الغربي، فإن تجديده الشامل لا يزال في حاجة إلى إطلاق ورشة بحثٍ كبرى تعالج الممارسة التاريخية في المنطقة من جهة كونها نتاج ممارسة ذاكرية لم تُدرس طبائعها على الوجه المأمول.

  • أنطلق في رؤيتي للتجربة اللبنانية وخبرة دراستها بوصفها "تأريخًا" (أي معطيات) أو خطاب تاريخ، من التذكير بمعطيات لا بُدّ من الانطلاق منها تيسيرًا للتفسير والفهم، ولا سيّما للبعيدين نسبيًا عن معرفة مباشرة لتاريخ المشرق، وخاصة تاريخ لبنان المركب نسبيًا.

    تتردد في الهيستوريوغرافيات اللبنانية، على اختلاف مواقعها واتجاهاتها، مفردات ومفاتيح ومصطلحات ينبغي تعريفها لنتبيّ كيف تُستخدم في مختلف الخطابات التاريخية اللبنانية، وبأيّ طريقةٍ ومعنًى؟ ومن هذه المفردات: الإمارة اللبنانية بأسرتيها المعنية والشهابية (آل معن وآل شهاب)، ونظام الالتزام، ونظام المقاطعجية، ومتصرفية جبل لبنان، ودولة لبنان الكبير، والميثاق الوطني، وميثاق الطائف، والطائفية السياسية، والديمقراطية التوافقية.

  • تنطلق هذه الدراسة من المقولة التي تشدد على أوجه التمييز بين التاريخ كعلم (أي بوصفه مسعًى علميًّا قائمًا على منهجية محددة بقواعد)، والذاكرة التاريخية، ولا سيما الذاكرة الجماعية التي تقوم على "تذكر" تضطلع بصيرورته صور شتّى تكونت عبر زمن تاريخي، واختلطت فيها ألوان متعددة من العواطف والمشاهد والمواقف، فضلًا عن اختلاط الأزمنة واستثمارها (بوعي أو بغير وعي، وفي أغلب الأحيان بغير وعي) لأهداف "الهوية" أو لأهداف أخرى Anachronism جماعية. وقدّمت الدراسة ثلاثة نماذج من "التواريخ" السائدة في الخطاب التاريخي العربي، هي: الخطاب التاريخي عن سايكس - بيكو، والخطاب التاريخي عن "الخلافة" وإلغائها، والخطابات التاريخية لطوائف لبنان، ودرست سرورة التحوّل الأيديولوجي - السياسي للحدث، إلى حدّ "أسطرته" في الخطابات التاريخية السائدة.
  • عند التطرق إلى مساهمة كمال الصليبي بمباحثه في حقل تاريخ لبنان الحديث والمعاصر، تستوقفني كقارئ وباحث في هذا التاريخ مسألتان رئيسيتان عالجهما كمال الصليبي في جملة من كتبه ومقالاته التي تناول فيها التاريخ اللبناني على امتداد سنوات: المسألة الأولى هي مسألة الإمارة اللبنانية، إذ يتبيّن إشكالها عندما يُطرح السؤال التالي (وهو سؤال إشكالي بامتياز): هل لهذه الإمارة ميزة أو ميزات تجعلها ذات خصوصيات، تبرر القول بأنها كانت الصيغة التاريخية (أو النواة التاريخية) المؤسِّسة أو الممهِّدة للدولة اللبنانية الحديثة؟ وأن البطل المؤسس هو فخر الدين المعني؟ لكمال الصليبي رأي توصَّل إليه عبر بحث إمبيريقي (تجريبي) في المصادر، مفاده أنه لا يرى أساسًا لهذه الخصوصية. فكيف توصَّل إلى هذا الموقف؟ المسألة الثانية هي مسألة تصوّر الماضي في حاضر لبنان. السؤال الإشكالي هنا هو كيف يتصوّر اللبنانيون ماضيهم؟ وهل يصلح هذا التصوّر، وهو غالبًا تصور طوائف لماضيها، أساسًا لبناء لبنان جديد؟
  • ينطلق هذا البحث من السياقات المختلفة التي أَمْلَت اعتماد العثمانيين ما دُعي ب «التنظيمات » أو الدستور -الاصطدام برأسماليات توسّعية وتنافسية؛ وعي النخب المحلية أهمية الإصلاح؛ التوتر الناجم عن تعدّد التكوينات المحلية وتعقّدها- لكي يرصد ما انطوت عليه هذه «التنظيمات » من جمع بين الم أمول )فكرة المواطنة بمفهومها الغربي المندرج في تشكّل الدولة/الأمّة وقيام المجتمع المدني وحقوق الإنسان والمواطن( والمعي ش )حالة الرعوية العثمانية بمفهومها المندرج في الدولة/العصبية الغالبة والعامة وفي المجتمع المتشكّل من عصبيات مختلفة(. ومن أجل هذه الغاية، فإن البحث لا يكتفي بالعودة إلى نصوص التنظيمات العثمانية ونصّ القانون الأساسي الذي هو دستور 1876 ، بل يعيد النظر أيضًا في رهانات نخب، تركية وعربية وإيرانيّة، على إمداد مبدأ «التبعة » )أو الجنسية( العثمانية والتمثيل المشتقّ منه بأيديولوجيا وطنية وقومية وبتأكيد مطالب الحرية والمساواة والمشاركة من موقع التماهي مع التجربة الأوروبية. هكذا، يفصّل البحث في كيفية تعامل كلٌّ من رفاعة الطهطاوي وبطرس البستاني مع مفهومي «الوطن » و «الوطني » في لحظة تحول اعترت استخدام هاتين المفردتين العربيتين لتكسبهما معاني ودلالات مستعارة من التجربة الديمقراطية والوطنية الغربية، وكيفية تعامل كل من رشيد رضا وحسين النائيني مع مفهوم «شورى الأمة » بعد أن حمّلا مفردة «الأمة » معنى الدولة/الأمة، حيث تشارك الأمة السلطان في الحكم وتقيّده بأحكام الدستور.
كتب متعلقة