ظلت تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس مثار اهتمام الباحثين وقد عدّها بعضهم استثناءً دالًّا، وقُدّمت جملة من الحجج للبرهنة على صواب هذه الأطروحة. غير أن المآلات التي عرفتها التجربة لاحقًا مع الانقلاب على جل المكتسبات التي راكمتها البلاد خلال ما يناهز عقدًا من الزمن على اندلاع الثورة التونسية وضعت تلك الأطروحة موضع شك. تُفكك هذه الدراسة مقولة الاستثناء التونسي استنادًا إلى دراسة منزلة المجتمع المدني بدءًا من مرحلة ما قبل الثورة التونسية، ومرورًا بمرحلة الانتقال الديمقراطي، وانتهاءً بالانقلاب الذي قاده قيس سعيّد عام 2021، وتبيّن الدراسة أن المجتمع المدني التونسي ساهم في تعطيل مسار الانتقال الديمقراطي؛ إذ تجسد ذلك من خلال ثلاثة مظاهر: تعزيز الاستقطاب الإسلامي-العلماني إلى حد ظهور مجتمع مدني بـ "رأسين"، وتحوّل منظمات المجتمع المدني التونسي إلى أذرع سياسية للأحزاب، وتغوّل دور المجتمع على حساب الدولة وسلبها شرعيتها وفعاليتها في الفضاءات العامة.