يهدف رجا بهلول من كتابه خطاب الكرامة وحقوق الإنسان، الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (160 صفحةً من القطع الصغير)، إلى خلق مكان للشعور والانفعال في الكتابات العربية حول موضوعات السياسة والأخلاق والقيم، لا "إعادة الاعتبار" إلى تلك المفاهيم. يقول المؤلف: "لم تكن المفاهيم التي سوف نسعى إلى تسليط الضوء يومًا معتبرةً حتى نعيد إليها الاعتبار. ولهذا الموقف السلبي من المشاعر والانفعالات ما يفسره في التاريخ الثقافي العربي".
وبحسب رأيه، تختلف الأفكار المطروحة في كتابه عمّا هو دارج في نمط الكتابة المعتاد عن حقوق الإنسان، وخصوصًا في تأكيد مركزية مفاهيم الحاجات والرغبات والانفعالات البشرية؛ كالتعاطف والمقاومة والغضب والاحترام، في تأسيس مفاهيم الحقوق والكرامة والمفاهيم الأخلاقية عمومًا، و"ربما يسبب هذا التوصيف بعض النفور في أذهان من يعتقدون أنْ ليس للأخلاق والحقوق علاقة بهذه المفاهيم السيكولوجية، وأنّ الأخلاق والحقوق ترتبط بالعقل والحسابات العقلانية فحسب".
هذا الكتاب مؤلَّف من سبعة فصول. ويقول بهلول في الفصل الأول منه، وعنوانه سؤال الكرامة وحقوق الإنسان، إنّ هدفه الرئيس في بحثه هو بيان الفرق والمفاضلة بين نظريتين أو نوعين من النظريات المتنافسة في مجال تأسيس مفاهيم الكرامة والحقوق فلسفيًا: "تقول الأولى إنّ كرامة الإنسان، بما تشمله من حقوق وبما تقتضيه من واجبات، تؤسَّس على أساس عقلاني، بمعنى أنّ العقل يُملي علينا، بطرائق معينة، الاعتقاد بحقوق الإنسان وبتميزه الأخلاقي الذي هو أساس كرامته. أمّا النظرية الثانية (أو النوع الآخر من النظريات)، فتقول إنّ محاولات تأسيس الكرامة والحقوق على أسس عقلانية لا تصمد أمام الامتحان، وإنّه ليس للكرامة الإنسانية والحقوق أساس عقلاني".
في الفصل الثاني، الإنسانية والكرامة والحقوق من منظور تاريخي، يتساءل بهلول عن ماهية الكرامة، والارتباط بين الكرامة والإنسانية، ثمّ علاقة الكرامة بالحقوق والأخلاق، ويقول إنّ الإنسان المعياري يتحصل على الكرامة؛ لأنه يتصف بصفات ومعايير وقيم أخلاقية مميزة لحياة المجموعة البشرية، و"لا شك في أنّ حيازته الكرامة ترتبط بسلسلة من الحقوق والواجبات. فكرامته تعني أنه لا يُؤكل ولا يُستعبد، ويُستمع إليه، ويُعتدّ برأيه، وهو سيد في نطاق ما تسمح به أعراف المجموعة وقيمها، ويؤدي واجبات لا تطلب ممن هو ليس إنسانا بالمعنى المعياري".
يقول بهلول في الفصل الثالث، وعنوانه التأسيس العقلاني للأخلاق، إنّ الأديان عندما تتحدث عن خلق الله الإنسان، فهي لا تستخدم الإنسان بوصفه مفهومًا معياريًا، "بل القصد هو الحديث عن تلك المخلوقات التي تمشي على قدمين ولا يكسوها ريش". ويضيف أنّ أساس الأخلاق نزعة العقل إلى الاتساق والتناسق، "وهي نزعة تظهر بشكل يكاد يكون فطريًا من خلال رفض الإنسان الأفكار المتناقضة، في الأقل عندما يبدو التناقض بينًا. كما تظهر أيضًا في عدم الارتياح إلى التطبيق الاعتباطي للأحكام، كما يحدث عندما يقبل الإنسان لنفسه شيئًا لا يرضى أن يقوم به الآخرون". وبحسب رأيه، لم نصل إلى مرحلة نعلن فيها عن استقالة العقل في مسألة التأسيس.
في رابع فصول الكتاب، التعاطف، يقول الباحث إنّ تعاطف أحد منّا مع إنسان أو إشفاقه عليه؛ ومن ثمّ امتناعه عن الاعتداء عليه أو المسارعة إلى مساعدته شيء، والقول إنّ عليه واجبًا أخلاقيًا يقتضي امتناعه عن السلب أو الاعتداء شيء آخر؛ بمعزل عن الدور الجوهري الذي يؤديه القانون والتربية والحياة الاجتماعية عمومًا في تهذيب المشاعر. وبحسبه، يبقى للتعاطف الدور المركزي في تأسيس الأخلاق. "أما الإصرار على النأي بالأخلاق كلّيًا عن طبيعتنا التعاطفية، وإناطتها بالعقل الموضوعي، فربما لا يعدو كونه تعبيرًا عن الخوف وغياب الثقة في المستقبل الذي ينتظرنا إذا فعلنا ذلك".
في الفصل الخامس، الاحترام، يفرّق بهلول بين أداء فعل ما (أو الامتناع عن أدائه) نتيجة الشعور بالتعاطف، وأداء الفعل نفسه (أو الامتناع عنه) نتيجة الاحترام. يقول: "يتناولك الفعل الذي يتمّ نتيجة التعاطف باعتبارك موضوعًا مثيرًا للشفقة أو الحزن. فأنت في وضع سيّئ، والمتعاطف ينظر إليك مدركًا أنه في وضع أقوى ممّا أنت فيه، فهو يرغب في مساعدتك، أمّا الفعل الذي يتمّ نتيجة الاحترام فهو ليس كذلك بتاتًا. فالشخص الذي يفعل شيئًا نتيجة الاحترام لا ينظر إلى الشخص الذي يقف أمامه نظرة الأقوى إلى الأضعف، مع أنّ الشخص الذي نحترمه ربما يكون فقيرًا ونحن الأغنى، أو ضعيفًا ونحن الأقوى".
قيم الحياة والقيم الأخلاقية هو عنوان الفصل السادس الذي يطرح فيه المؤلف عدة تساؤلات، من بينها: هل يمكن أن نفهم حقوق الآخر من دون الإشارة إلى طبيعته وحاجاته البشرية، وخيراته ومنافعه، وأهدافه الخاصة؟ ولماذا نُدرج الحياة والحرية والأمن والغذاء والتعليم ضمن حقوق هذا الآخر، ولا ندرج الاستماع إلى بيتهوفن، ولا تناول الكافيار، ولا ارتداء ربطة العنق في كل صباح؟
في الفصل السابع، وهو الفصل الأخير، مصالحة العقل والوجدان، لا يريد المؤلف المباعدة بين التأسيس الوجداني والعوامل الإدراكية إلى درجة القطيعة. فـ "على الرغم من أنّ الأخلاق تبدأ أول ما تبدأ عندما تتوسع دائرة تعاطفنا، وعندما نبدأ في تعليم الآخرين درس احترام كياناتنا الفردية، هناك دور مهمّ للقدرات الإدراكية على مستوى الأخلاق. وتعظم أهمية هذا الدور بقدر ما يتميز الإنسان من سائر الكائنات الطبيعة التي يقف على قمة هرمها التطوري، من دون أن يكون الإنسان خلقًا آخر، ومن دون أن يكون كائنًا مفارقًا للطبيعة". ويرى بهلول أنّ العقل يؤدي دورًا في الحياة الأخلاقية، فلا يقدّم إلينا جوابًا عن السؤال: لماذا يجب أن نلتزم الأخلاق ونحترم حقوق الإنسان؟ فهذا سؤال لا جواب عنه، وربما حان وقتُ تجاوزه.