يضمّ كتاب "العرب وتركيا: تحديات الحاضر ورهانات المستقبل" (928 صفحة من القطع الكبير) بين دفتيه مجموعة أبحاثٍ كتبها ثلاثة وعشرون باحثًا عربيًا، وتوزّعت على الأقسام التالية: الإرث التاريخيّ السياسيّ والاجتماعيّ لتركيا، والمصالح المتبادلة، والبعد الإستراتيجي، والتحديات المستقبليّة. وجاءت هذه الأبحاث محاولة علمية لقراءة العلاقات العربيّة - التركيّة من منظار عربيّ، ولا سيما أن تركيا الجديدة دأبت على السعي إلى تحسين صورتها لدى العرب بــ "احتضانها" القضية الفلسطينية. ولكن على الرغم من ذلك، لم تتبدّد لدى الباحثين الصورة القديمة لتركيا المتحالفة مع الغرب والعضو في حلف شمال الأطلسي، فلا تزال الشكوك العربيّة قائمة في شأن الدور المستقبليّ الذي تطمح إليه تركيا في المنطقة العربيّة. كما لم تبدّد الكثير من المخاوف العربية تجاهها، وبخاصة المخاوف المتعلقة بالدور المستقبلي الذي تطمح تركيا إليه في المنطقة وبتحكم تركيا ببعض الموارد الحيوية التي تتغذى منها بعض البلدان العربية، على الرغم من وجود الكثير من القضايا الإستراتيجية المشتركة بين تركيا والعرب التي يمكن أن تؤسس لعلاقات تكاملية بين الطرفين.
ويعدّ هذا الكتاب إسهامًا مهمًّا في فهم تركيا الجديدة ومصالحها، وفي الإحاطة بالمصالح العربيّة في الوقت نفسه، ومحاولة لاكتشاف نقاط الاشتراك ونقاط الافتراق في هذه المصالح المتداخلة. كما يقدّم قراءات موسعة للعلاقات العربية-التركية من منظار عربي يبحَث العلاقات الإستراتيجية بين العرب وتركيا ويناقشها بموضوعية ومنهجية، في محاولة للإجابة عن أسئلة مثقلة بموروثات متعاقبة تراكمت عبر تاريخ طويل من العلاقات العربية – التركية.
قدّم للكتاب الدكتور محمد نور الدين فرأى أن العلاقات بين العرب والأتراك لم تسلك -في أي يوم من الأيام- مسلكًا ثابتًا. وحتى سياسة "حزب العدالة والتنمية" القائمة على الانفتاح على العرب من جهة، والتحالف مع الغرب من جهة أخرى، تأتي في لحظة انعدام الوزن العربيّ في السياسات الدوليّة، الأمر الذي يجعل النموذج التركيّ في الانتقال إلى الحداثة مع الحفاظ على الهُويّة الإسلاميّة مسألة موحيّة لكن ليس على العرب أن يحتذوا بها، بل أن يخلقوا نموذجهم الخاص.