صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ضمن سلسلة دراسات التحوّل الديمقراطي، كتاب مقالات مرجعية في دراسات الانتقال الديمقراطي. يتضمن الكتاب اثنتين وعشرين مقالة مرجعية لباحثين رواد وبارزين ضمن ما يعرف بعلم الانتقال Transitology، أو حقل دراسات الانتقال الديمقراطي، مترجمةً إلى اللغة العربية. وقد التزم المركز بهذا المشروع لا بهدف نقل المعرفة المتراكمة عن هذا الموضوع إلى اللغة العربية فحسب، بل أيضا لتمكين الطلاب والباحثين العرب من القبض على المقاربات والنقاشات النظرية، والحالات الإمبريقية، التي راكمتها أبرز الأدبيات التي أسست حقل دراسات الانتقال وطوّرته منذ ستينيات القرن العشرين.
تغطي المقالات، التي يضمها هذا الكتاب، فترةً تناهز نصف قرن (1970-2018) من تطور حقل دراسات الانتقال. وينتمي كُتّابها إلى جيلين: الجيل المؤسس ممن بدؤوا نشر أعمالهم منتصف القرن العشرين، أمثال دانكوارت روستو، وغييرمو أودونيل، وفيليب شميتر، وصمويل هنتنغتون، ولوسيان باي، وسيمور مارتن ليبسيت، وآدم شيفورسكي؛ والجيل الثاني ممن نشروا أعمالهم مع نهاية ثمانينيات القرن العشرين وبداية تسعينياته، أمثال ريتشارد سنايدر، وألفريد ستيبان، وتيري لين كارل، ونانسي بيرميو، وجيراردو مونك، وستيفاني لوسون، ودوه تشول شين، وفرناندو ليمونجي، وتوماس كاروثرز، وستيفين ليفيتيسكي، ولوكان واي، فضلًا عن ثلاثةٍ من الباحثين الأحدث سنًا، هم مايكل ميلر، وياشا مونك، وروبرتو ستيفان فوا.
ترجم هذه المقالات إلى اللغة العربية كل من الباسل الحوراني، وجان كساب، وعبده موسى، ومعين رومية، وهمدان مقصود، وياسر مخلوف؛ وراجعها محمد حمشي وعبد الفتاح ماضي. يقع الكتاب في 840 صفحة، شاملةً ببليوغرافيا ومسردًا للمصطلحات وفهرسًا عامًّا، وقدّم له محمد حمشي مقدّمة طويلة، عنوانها "هنا والآن: عن الحاجة الملحّة إلى مساهمة عربية في حقل دراسات الانتقال الديمقراطي"، تناول فيها التعريف بحقل دراسات الانتقال الديمقراطي وسياق بروزه بوصفه حقلًا معرفيًا قائمًا بذاته، فضلًا عن النقاشات التي احتدمت بين المشتغلين خلال ما يزيد على نصف القرن الماضي، ثم نافح عن ضرورة التأسيس لجماعة علمية عربية تكون لها مساهمتها الأصيلة من المنطقة العربية وعنها.
تأتي أهمية هذا الكتاب، والهدف من ترجمة مقالاته، من أن النقاشات التي تطورت من خلالها دراسات الانتقال لم تقتصر على باحثين وأكاديميين، بل ضمّت أيضًا فاعلين سياسيين ومدنيين منشغلين بقضايا الديمقراطية والانتقال؛ لذلك، فإن الكتاب ليس موجّهًا إلى الطلاب والأكاديميين العرب فحسب، بل إلى النخب الديمقراطية أيضًا، سواء تعلّق الأمر بالشباب الذين أثبتوا، خلال الحركات الاحتجاجية المختلفة التي شهدتها المنطقة العربية حديثًا، وعيًا حيًّا بمركزية المشاركة السياسية من أجل التغيير، أو بالمتمرّسين من نخب سياسية وإعلامية وثقافية وغيرها.
يرى المركز العربي، وهو يقدّم هذا الكتاب إلى القارئ العربي، أن دراسة موضوع الديمقراطية والانتقال إليها في المنطقة العربية، والمقارنة بالتجارب غير العربية والتعلّم منها، باتت أشد إلحاحًا على العلوم الاجتماعية العربية، خاصة بعد أن تبيَّن أن الخيبات التي أرخت سدولها على انتفاضات موجة الربيع العربي الأولى (2010-2011)، لم تمنع نشوب موجة ثانية من الانتفاضات بين عامَي 2018 و2019 في بلدان اعتُقِد أنها منيعة من عدوى الاحتجاج. وقد عبّرت جميعُها عن التطلع إلى الانتقال نحو الديمقراطية. وحين تسمّى تلك الخيبات فشلًا، أو انتكاسةً، أو تراجعًا، أو حتى انتقالًا إلى غير الديمقراطية ونكوصًا نحو السلطوية، أو انزلاقًا نحو حروب أهلية، ينبغي أن نعي أنّ المنطقة العربية ليست استثناءً، فقد حدث ما يشبه ذلك في مناطق مختلفة. ومهمتنا هي فهم أسباب ذلك، بناءً على معرفتنا بمنطقتنا، وعلى التزامنا بالتعلم النقدي مما تراكم من دراسات، نظرية وإمبريقية، عن الحالات غير العربية. وفي سياق التشديد على أهمية هذا التعلم النقدي من المعرفة المتراكمة عن الانتقال إلى الديمقراطية، تأتي أهمية إصدار هذا الكتاب.