صدر العدد الخامس والعشرون من الدورية المحكّمة تبيّن للدراسات الفكرية والثقافية التي يصدرها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. واشتمل العدد على الدراسات التالية: "جدلية التعالي والمحايثة في الفلسفة الحديثة نقد سبينوزا للأصول الأرسطية والأسس الديكارتية للتعالي الإلهي" للحسان سليماني الذي طرح فيها قضية إشكالية مهمة حول جدلية التعالي والمحايثة في الفلسفة الحديثة انطلاقًا من مقاربةٍ مقارنة للتصور اللاهوتي المسيحي للإله وخلفيته الأرسطية، والفلسفة الديكارتية ومرجعيتها العلمية، والنسق السبينوزي وأساسه الإيتيقي. كما تروم الدراسة إبراز الرهانات الموجهة لكل تصور والمتمثلة في الذود عن الدين بالنسبة إلى اللاهوت المسيحي. وإبعاد الإله عن الطبيعة لجعلها قابلة للتفسير العلمي بالنسبة إلى ديكارت، وتعقيل الإله منطقيًا بالنسبة إلى سبينوزا. أما الدراسة الثانية فعنوانها: "حنة أرندت ونقد التصور الفلسفي للحرية" لمصطفى الشادلي، ناقش فيها الباحث موضوع "الحرية" بين الفلسفة والسياسة، انطلاقًا من أن "التصور الفلسفي للحرية" لم يتجاوز حدود المجال الميتافيزيقي الذي يرجعها إلى حرية التفكير. فتصير بذلك شعورًا داخليًا؛ بينما يرتبط "التصور السياسي للحرية" بالفعل وبالكلام وبالعالم الذي يوجد فيه الناس، أي بفضاء عمومي تتجلى فيه كلمات الناس وأفعالهم. فالحرية السياسية هي التي تمنع من قيام أنظمة العنف التوتاليتاري التي تنجح في التحكم في الناس من خلال القضاء على الحرية السياسية مجسدة في حرية الكلام والحوار والتداول العمومي، والتي تمكّن الناس من ربط علاقات سياسية أساسها المساواة واحترام الآخر المختلف. ودراسة ثالثة بعنوان: "موقف الأشاعرة من ابن رشد وكتاب الكشف في الأسباب الأشعرية لأفول الرشدية" لعزيز أبوشرع حيث هدف من خلال دراسته إلى التخفيف من حدة الاعتقاد بربط النكبة بنهاية الرشدية، أي المعنى السياسي للنَّكبة المتضمن معنى الإبعاد والحصار، المبني أساسًا على معنى السِّعاية التي تحمَّل وزرها فقهاء الوقت. كما سعى إلى الكشف عن أسباب معرفية لنهاية الفلسفة الرشدية أو ضعفها، عبر عرض الردود الكلامية الأشعرية على ابن رشد وكونها سببًا لاختفاء الدرس الفلسفي من الغرب الإسلامي، إن هو اختفى فعلًا، مفترضًا أنّ هذه الاعتراضات الأشعرية، قد تكون الفعل الأقوى في إضعاف الفلسفة أكثر من أي نكبة قد تكون. هو الفكر يضرب الفكر.
كما تضمن العدد دراسة مهمة عنوانها: "إشكالية السعادة عند الفارابي: بين النظري والعملي" لسعيد الجابلي الذي عمد فيها إلى مقاربة إشكالية السعادة عند الفارابي، وذلك بهدف الوقوف عند دلالاتها أولًا، وبحث مقتضياتها النظرية والعملية ثانيًا، عسانا نتبين في المحصلة المنزلة المرموقة التي حظي بها الإنسان في فلسفة الفارابي، فالسعادة في تقديره تحصل عندما يتفق الإنسان مع إنسانيته، فإذا كان منتهى كمال الإنسانية مشدودًا إلى بلوغ المطلق، فإنّ فعل الإنسان النظري والعملي لا يسكن إلا في الفكرة، أمّا في الواقع فهو حركة متجدّدة ومتواصلة. كما تضمن دراسة بعنوان "التمثيل الصوري للتجرّد والزيادة في الفعل في اللغة العربية" لمحمد بلبول بيَن فيها الباحث كيف تتوفّق النظرية المتبنّاة في التعبير عن الاطرادات الاشتقاقية من خلال التمييز بين الاشتقاق المعجمي والاشتقاق التصريفي على أسس صورية مُبرّرة نظريًا وتجريبيًا. أمّا الأوّل فلا يقتضي أخذ فرع من أصل بل تحكمه قيود إرضاء مواقع هيكل الفعل الذي يُعَدّ أساس تكوين جميع الأفعال العربية. وأمّا الثاني (الاشتقاق التصريفي) فأساسه علاقة ربط أصل بفرع انطلاقًا من نظرية الصرف الأبوفوني، حيث تؤدي التناوبات الحركية وظيفة تمييزية فتتيح تمييز معان وظيفية (البناء، الزمن، الجهة). كما أثار في دراسته في قسمها الأخير أسئلة عديدة متعلّقة بطبيعة الهيكل العروضي وبتمظهرات التوافقات بين البنية العروضية والبنية الصرفية في اللغات الطبيعية، ومنها العربية. وتضمن العدد أيضًا دراسة بعنوان:" المرأة البدوية في كتابات الرحّالة الغربيين" لعلي عفيفي علي غازي سلط فيها الضوء على صورة المرأة البدوية في العراق والجزيرة العربية كما رسمها الرحالة الغربيون عبر قرون أربعة تمتد من القرن السادس عشر إلى القرن العشرين؛ وذلك باستعراض رؤيتهم لشكلها، وصفاتها، وحياتها، وعاداتها، وتقاليدها، وقيمها، ودورها في بيتها وقبيلتها، والأعمال التي تقوم بها في ديرتها؛ مع التركيز على نشاطها في حياة القبيلة السياسية والعسكرية، وتقديم صور من حياة الفتاة البدوية الاجتماعية والعاطفية، ودورها في الزواج، وما يمثله لها، ثم حملها وأمومتها، ودورها في تربية الأطفال ورعايتهم والعناية بهم.
واشتمل العدد على مراجعتين مهمتين؛ الأولى للباحث أحمد قاسم حسين "مراجعة كتاب مِـــــــــــــــــــــــل للمؤلف فريدريك روزن"، هذا الكتاب الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ضمن سلسلة "ترجمان"، وقد ترجمه إلى اللغة العربية عاطف يوسف سليمان. يقع الكتاب (447 صفحة من القطع الوسط) في ثلاثة عشر فصلًا، موزعة على ثلاثة أقسام، تسبر الفلسفة الاجتماعية والسياسية عند جون ستيوارت مِل الذي يُعدّ واحدًا من أهم فلاسفة بريطانيا في القرن التاسع عشر. تأثر مِل بجيرمي بنثام وجوزيف بريستلي، وعاصر في شبابه الفيلسوف ديفيد هيوم، واطّلع على منهجه التجريبي وما تركه من تأثيرات في جميع الفلاسفة في أوروبا، وتحديدًا إيمانويل كانط. والثانية لإبراهيم القادري بوتشيش: "مراجعة كتاب العرب في زمن المراجعات الكبرى، محاولات في تعقّل تحولات الراهن العربي لكمال عبد اللطيف". يعتبر الكتاب نصًا جريئًا وازنًا، وقيمة مضافة للفكر السياسي العربي المعاصر، واستنهاضًا لقضايا ظلت مطمورة أو محتشمة في مشاريع الإصلاح العربية. كما يعدّ إسهامًا فاعلًا في الحراك الفكري، وإعادة لبناء السؤال الثقافي، ونبشًا جديدًا في ملفات شائكة ومقلقة باتت تؤرق المجتمع العربي بعد ثورات الربيع العربي، بفضل ما يحويه من طروحات وبدائل جديدة، وتحليل أفقي وعمودي، وتشخيص حيّ لمفاصل الأحداث ومجريات التحولات العالمية الراهنة.