تستهدف هذه الدراسة، على نحو رئيس، الإجابة عن سؤال مركزي، هو: ما حظّ الأكاديميا العربيّة من كسب معركة تجديد مناهج تطوير المعرفة وبناء أنساقها خارج سلطان الكتابة التقليديّة؟ وقد جعلتْ، إجرائيًّا، علم التاريخ حقلًا لبحث الإجابة عن هذا السؤال. واعتمدت في ذلك على مقاربات ثلاث: مقاربة تاريخية مرجعية عُنيت بمدرسة الحولياتAnnales والآفاق التي فتحتْها أمام منهج تقاطع الاختصاصات، ومقاربة تأصيلية استكشافية اهتمّت برصد نشوء حالة وعي عربي بضرورة تجديد مناهج البحث التاريخي، ومقاربة تجريبية تطبيقية عُنيت بإمكانات الكتابة العربية المجددة. أوقفتنا الأولى على نتيجة ملخصها أنّ علاقة العلوم بعضها ببعض في التاريخ المعاصر تحكّمت فيها إبستيمية فرضتها فتوحات المعرفة المتدفقة بغزارة في جميع المجالات والميادين. وساقتنا الثانية إلى أنّ منهج التقاطع تصوّر وموقف يستهدفان البحث عن السبل التي تعيد كتابة التاريخ وليس مجرّدَ آلية أداتية. وبيّنّا أنّ نشأته في السياق العربي لم تكن نشأة محلّية خالصة، لقد كانت بتأثير من "ثورة الحوليات". وأفادتنا الثالثة أنّ ما أُنجز إلى حدّ الآن في السياق الأكاديمي العربي يدلّ على أنّ المؤرّخ العربي يخوض باقتدار، رغم العوائق الكبرى، معركته ضدّ مبادئ الكتابة التاريخية التقليدية ومناهجها. فعمليات التشبيك الواسعة بين الاختصاصات برهان على الوعي المتعلق بتفتيت الحواجز بين العلوم مدخل منهجي لا غنى له؛ لا فقط لإعادة كتابة التاريخ، بل أيضًا لتنمية مهارات البحث العلمي وتطوير أداء المؤسسة الجامعية العربية.