تتناول هذه الدراسة دور الذاكرة المجروحة وذاكرة الألم، أي ذاكرة الذين عانوا الاعتقال والاختطاف القسري وغيرهما، في كتابة تاريخ وطني أكثر موضوعية ومتوافق ومتصالح مع الماضي. إن العلاقة بين الذاكرة والتاريخ هي علاقة بين الفعل الجماعي والذاكرة الفردية، حيث يعتمد عليها المؤرخ، وعلى شهادة الفاعل السياسي والمناضل من أجل التأريخ لحدث معيّن. تبيّن الدراسة أن الغرض من تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة التي دشّنها المغرب عام 2004 هو التصالح مع الماضي، وتجاوز الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وذلك بطيّ صفحة سنوات الرصاص، والسعي في المقابل لتحقيق عدالة انتقالية. وترصد امتدادات النقاش السياسي الذي وطّن مفاهيم جبر الضرر والإنصاف والمصالحة والعدالة الانتقالية والمصالحة والديمقراطية. وتؤكد أن الشهادات التي قُدّمت خلال جلسات الاستماع ومذكرات الاعتقال مهمة من أجل إنتاج معرفة تاريخية، تستفيد من عدة عوامل؛ أهمها اتساع هامش الحرية، وتحوّل الفرد إلى فاعل وشاهد في التاريخ، وإسماع صوت الهامش والمهمشين، وتراجع هيمنة المركز والفاعل الرئيس في فعل الكتابة التاريخية. وتقارب الدراسة الموضوعَ من خلال نماذج من مذكرات وشهادات الفاعلين والمعتقلين السابقين؛ بهدف الوقوف على مدى مساهمة مذكراتهم في التعبير عن حالات تاريخية مفصلية من تاريخ المغرب، مع الإشارة إلى ما تتميز به هذه المذكرات من استعادة تجربة الاعتقال والتعذيب، غير أنها كتبت في حاضر يتّسم بنوع من الانفراج والنزوع نحو المصالحة.