منذ الأشهر الأولى التي أعقبت إعلان وباء كورونا جائحةً عالمية، برز نقاش بين دارسي الشعبوية حول أثرها المحتمل في هذا التيار السياسي الذي حقّق خلال العشرية الماضية تقدمًا انتخابيًا غير مسبوق في العديد من دول العالم. من جهة، ثمة الموقنون أن الجائحة ستمثّل مفترق طرقٍ في هذا المنحى التصاعدي، وستكون بداية تقهقر الشعبويين، خصوصًا الماسكين منهم بالحكم في الديمقراطيات الليبرالية. ومن جهة أخرى، ثمة القائلون إن الشعبوية، بوصفها ظاهرةً سياسيةً تتغذى بالأزمات لن تتأثر سلبيًا، هذا إن لم تخرج منها أكثر قوة. تنطلق هذه الدراسة من هذا النقاش، من خ ال التركيز على حالة الحكومات الشعبوية اليمينية في الديمقراطيات الغربية، وخصوصًا إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، لتبيّن محدودية الموقفَين. فعلى عكس التصور السائد، لا تختلف المقاربة التدبيرية ولا الحصيلة البشرية للحكومات الشعبوية في مواجهة جائحة كورونا، في مجملهما، عن تلك التي سجلتها حكومات تقليدية. ولكن لا يعني هذا عدم وجود خصوصية شعبوية في زمن جائحة كورونا تكمن، من وجهة نظرنا، في طبيعة الخطاب الموظَّف أثناء الجائحة الذي نقسمه إلى قسمين؛ أولًا، "خطاب الانفصام" الذي تميّز بالقدرة على الجمع بين التهوين من حقيقة الجائحة، واتخاذ الإجراءات التدبيرية العملية لمواجهتها، وثانيًا، "خطاب الإثبات" الذي وُظفت فيه الجائحة لتعزيز مشروعية أحد أهم عناصر الخطاب الشعبوي وهو الخطر الخارجي.