تتوقف هذه الدراسة عند أحد أهم المفكرين العرب المعاصرين، وذلك بالتركيز على موضوع محدّد هو موضوع «المثقف »، أكان في السياق المغربي الذي يستوعب العروي أم في السياق العربي ككل، ولا سيما في ظل مجمل المتغيرات التي فرضها ما اصطُلح عليه ب «الربيع العربي » الذي أفضى إلى «دستور جديد » في المغرب مثلما أفضى إلى استبعاد «دكتاتوريات متصلبة » عن واجهة المشهد السياسي في العالم العربي.
تستحضر الدراسة «الوحدة السياقية الكبرى » التي تتشكّل من جميع الجبهات التي يخوض فيها العروي، بدءًا من قلعة التاريخ التي هي مجاله الأثير، ومرورًا بالنقد الأيديولوجي والنقد المفاهيمي، وانتهاء بالرواية. كما تبيّن الدراسة كيف أن العروي لم يكفّ في تحليلاته النقدية وحواراته الفكرية وكتاباته المفتوحة، وبوضوح تام، عن انتقاد «المثقفين العرب » وعن تحميلهم كامل المسؤولية عن إضرابهم (الطوعي) عن «قول ما ينبغي قوله » أو عن الاضطلاع ب «دورهم الأساس » (كما ينعته) في مجتمعاتهم التي لا تزال تعاني ثالوث «العجز الاقتصادي والحصر الاجتماعي والفقر الفكري .»
وما يهم، في الدراسة كذلك، هو «دور المثقف »، وعلى نحو ما يضطلع به العروي نفسه، تجاه القضايا الحارقة والزوابع الذهنية. ومن هذه الناحية، فإن الدراسة تعي أن ثمة صعوبة ملحوظة على مستوى استخلاص مثل هذه «التمثّلات » بسبب «الأسلوب » الذي ينهجه العروي في التعامل مع القضايا والموضوعات التي تؤكد «حضور المثقف ». هذا بالإضافة إلى أن العروي، وقبل أن يضطلع بدور المثقف، كان، ولا يزال، وخصوصًا في حواراته (المتباعدة، للمناسبة)، يخصّ موضوع المثقف ذاته، أكان في «حضوره الذاتي » أم في علائقه بالأطراف الأخرى، بأفكار وتصورات كثيرة.
تشدّد الدراسة على المكانة اللافتة التي يوليها العروي، ومن منظور نقدي صارم، لموضوع المثقف الذي أخفق في الاضطلاع ب «مهماته التاريخية » حتّى تتسنى له المساهمة في بناء «ثقافة عصرية » تُسعف على أن نعيش «العصر » الذي ننتمي إليه، وكل ذلك من خلال مدخل «الحداثة » بمفاهيمها النظرية والعملية التي تصل بين النقد (المعاصر) والتقدّم والعقلانية والحرية والعلمانية ومركزية الدولة الحديثة... إلخ. ذلك كله حتى «نقطع »، وفي الحال المغربية ومن حيث هي حال عربية أيضًا، مع «أصالة الجلابة والكسكس » كما نعتها العروي في كتابه «المغرب والحسن الثاني