في دراسة سابقة عن الدخول العثماني إلى فاس سنتَي 1554 و1576، سعينا إلى إبراز التكامل والاختلاف بين الوثائق الإسبانية والعثمانية، وبيّنا أن هذه الوثائق لم تكن دائمًا على طرفَي نقيض، وأنها تسمح لقارئها بإعادة بناء الحملتين اللتين قادهما الأتراك إلى فاس. وانتهينا في هذا البحث إلى أن إنتاج الوثيقة يعكس مواقف الطرفين المتباينة من الأحداث التي عرفها المغرب في القرن السادس عشر، وهي مواقف كرست المصالح المختلفة لإسبانيا والدولة العثمانية. وبالرغم من أن البحث السابق كان مخصصًا للنظر في الوثائق الإسبانية المحفوظة في الأرشيف الإسباني والوثائق العثمانية المحفوظة في الأرشيف العثماني، فإنّ ذلك لم يكن يعفينا من العودة إلى الكتابة التاريخية العثمانية والمغربية التي أرخت لهذا الحدث. وهنا وقفنا على صمت مطبق للنصوص العثمانية عن الحدثين، وهو الأمر الذي دعانا إلى التوسع في الموضوع والبحث في استوغرافيات المغرب والدولة العثمانية.
تهدف هذه الدراسة إلى إبراز مكانة العثمانيين في المصادر المغربية من جهة، ومكانة المغرب في المصادر العثمانية من جهة ثانية، وذلك خلال الفترة الممتدة ما بين القرن الرابع عشر وبداية القرن العشرين؛ أي خلال المدة الزمنية التي حكمتها الدولة العثمانية. فكيف عالج المؤرخون المغاربة تاريخ الدولة العثمانية باعتبارها دولة عالمية؟ وما هو الصدى الذي كان لأحداث كبرى في المصادر المغربية؟ وهل استرعى المجال المغربي المستقل انتباه المؤرخين العثمانيين؟ وما هي سياقات الاهتمام المتبادل؟
سنعالج ذلك من خلال لحظتين؛ الأولى تتعلق بالمكانة التي حظي بها الأتراك والعثمانيون في النصوص المغربية، والثانية تخص حضور المغرب في المصادر العثمانية.