صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب إدارة الأزمات بين النظرية والتطبيق: الاستجابة الاستراتيجية لدولة قطر لأزمة الحصار، شارك في تأليفه مجموعة من الباحثين (تحرير: هند المفتاح، وموسى علاية العفري، وحامد التجاني علي). يقع الكتاب في 415 صفحة، ويشتمل على إرجاعات ببليوغرافية وفهرس عام.
يدرس هذا الكتاب انعكاسات الحصار السلبية في عام 2017 على دولة قطر من النواحي كافةً، السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والغذائية والصحية والرياضية. ويستخلص من تحليل مواجهة هذه الانعكاسات ما يصطلح على وصفه بأنموذج الدوحة في إدارة الأزمات.
حاول الباحثون تشخيص القطاعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية قبل الأزمة وأثناءها وبعدها، وتحليل أدوار قيادة الدولة والهيئات الاجتماعية المختلفة لتدارك أخطار الأزمة. وخلص الكتاب إلى تقديم فهم أفضل للكيفية التي يستطيع من خلالها القادة السياسيون وقادة مؤسسات الأزمة التنسيق المنظم، عبر شبكة الاستجابة الوطنية لإدارة الأزمة، لاستيعاب تداعياتها وتحدياتها ومخاطرها من دون التأثير في استقرار المجتمع المحلي وأمنه أو المساس بسيادة الدولة. فقد تمكنت إدارة الأزمة من تحويل المخاطر إلى فرص، في ضوء حزمة سياسات إصلاحية وتطويرية للاستقرار والنمو الاقتصادي، وفق رؤية قطر 2030.
أنموذج الدوحة في إدارة الأزمات
يقدم الفصل الأول من الكتاب وهو بعنوان "أنموذج الدوحة في إدارة الأزمات: الإطاران النظري والمفاهيمي والإطار المنهجي"، الذي أعده موسى علاية العفري وهند المفتاح وحامد علي، الإطارين النظري والمنهجي لإدارة الأزمات، ويوضح مفاهيم رئيسة مثل "الأزمة"، و"الصراع"، و"النزاع"، و"الكارثة"... وغيرها مما يدخل ضمن عدم استقرار الواقع والنظام العام في أي دولة أو مجتمع، ويحدد الاختلافات بينها. ويشتمل الفصل على التعرف إلى "الأزمة" مبكرًا، والتخطيط لمواجهتها، أو التعامل معها بعد تحوّلها واقعًا معيشًا.
أما الفصل الثاني الذي أعدته هند المفتاح، فيناقش أنموذج قيادة الجانبين السياسي والدبلوماسي وإدارتهما في قطر، وكيفية الاستجابة لأزمة الحصار (5 حزيران/ يونيو 2017-5 كانون الثاني/ يناير 2021) والتعامل مع تداعياتها. ويعرض لسعي القيادة السياسية لدولة قطر لحماية مجتمعها أثناء الأزمة والتعامل معها. ويفترض المبحث أن القيادة السياسية القادرة على إدارة الأزمات بنجاح واستيعابها بعد وقوعها تكون فرصها في الإصلاح وإعادة البناء والتطوير أعلى بكثير منها في الأوقات والظروف الاعتيادية، وكذلك التكيف مع تداعيات الأزمة وتحدياتها المختلفة في حال تمكنت من فرض ضوابط لإدارتها وهيأت ووفرت متطلبات إعادة البناء والإصلاح، في ظل وجود فريق عمل كفؤٍ ومتعاون. وخلص المبحث إلى أن أزمة حصار قطر، وإن ظهرت كبيرة، وحتى مفاجئة في تقديرات محللين كثر، فإنها مختلفة في سياقاتها وأسبابها وظروفها، وحتى تداعياتها عن الأزمات السياسية العادية. ذلك أن أصل الخلاف سياسي - استراتيجي ومتراكم تاريخيًّا، وما كان حصار الدول الأربع سوى محاولة للسيطرة على دولة قطر عبر العقدين الماضيين وإرغامها على الخضوع والتبعية، ولانتزاع التنازلات منها ودفعها – في إطار الحل الذي تراه هذه الدول - إلى تغيير سلوكها المستقل؛ وهو الأمر الذي رفضته القيادة السياسية لقطر رفضًا حاسمًا.
القطاع الاجتماعي إبان الأزمة
خُصص الفصل الثالث لدراسة القطاع الاجتماعي إبان إدارة الأزمة، ولا سيما قطاع حقوق الإنسان؛ إذ كان لأزمة الحصار تداعيات كبيرة وفجائية على النسيج الاجتماعي القطري والخليجي المترابط والمتشابك بحكم النسب والمصاهرة، بل تعدت تداعيات ذلك إلى أسر المقيمين وعلاقاتهم الاجتماعية العابرة للدول والقارات. ويتناول الباحثان حمود سالم العليمات ومحمد سيف الكواري، في المرحلة الأولى من تاريخ الأزمة ومؤشراتها وتحدياتها، رصْدَ التأثيرات الاجتماعية والحقوقية، أما في المرحلة الثانية فيناقشان تحديات الأزمة وتأثيراتها الاجتماعية والحقوقية، ويستخلصان العبر من التجارب كافة التي تعرضت لها الدولة خلال الأزمة، وتسجيل الأحداث كافة التي مرت بها وكيفية التعامل معها.
ويشرح الفصل أهم ملامح إدارة الأزمة إعلاميًّا على امتداد مراحلها، وتناغم الأدوار وتنسيقها بين مختلف المستويات الإعلامية، الرسمية والشعبية المؤسساتية والفردية، مع التزام كل مكونات الدولة المعنية بالنشاطات الإعلامية بوحدة السردية وانضباط الخطاب. فقد نشط الإعلام القطري في تقديم القصص الحية للأضرار التي عاناها سكان قطر، مواطنين ومقيمين، وخصوصًا ما تعلق منها بقطع التواصل بين أُسر خليجية تتداخل بينها صلات الرحم ووشائج القربى، وما واجه المقيمين في قطر من متاعب وتضييقات ومشقات إبان تنقلاتهم المعتادة بين قطر وبلدانهم.
حصار قطر
جاء الفصل الخامس بعنوان "حصار قطر وأثره على الاقتصاد والبنية التحتية وسياسات الدولة لمواجهته"، وقد أعده عبد العزيز بن ناصر آل خليفة وحامد التيجاني علي، وتناولا فيه بالدرس إدارة الأزمة في قطاع الاقتصاد والبنية التحتية. وركز السؤال الأساسي على تأثير الحصار في الاقتصاد القطري، بخاصة في قطاع البنى التحتية والمؤشرات الاقتصادية، وعلى معرفة سياسات الدولة لامتصاص الصدمة.
وكانت الحكومة القطرية قد سارعت مع بداية هذه الأزمة إلى اتخاذ حزمة من القرارات، كان من شأنها ليس التخفيف من حدة الأزمة وآثارها السلبية فحسب، بل تقوية قدرات الصناعة القطرية وتعزيزها أيضًا، والإسراع في معالجة مختلف الملفات، منها الأمن الغذائي، والزراعة، والصناعات المرتبطة، فضلًا عن فتح آفاق جديدة للصادرات القطرية، وإيجاد مسارات بديلة لأسواق الواردات. واعتمد الفصل على تحليل بيانات من جهاز التخطيط التنموي والإحصاء، وزارة التجارة والصناعة والبنك الدولي، مركِّزًا أيضًا على مؤشرات أداء الاقتصاد الكلي، وتطور نمو الناتج المحلي الإجمالي، ومعدلات التضخم، وعدد المصانع، وقطاع السياحة، وعلى أهم المؤشرات في قطاع التجارة الخارجية، والتطور في الميزان التجاري، وقطاع الصادرات، والميزان المالي لقطر، الذي يشمل تطور الائتمان المحلي قبل الحصار وبعده.
في هذا الإطار، أعدّ هالة عز الدين المنياوي وعيسى صالح الحر الفصل السادس، وعنوانه "إدارة أزمة الحصار في قطاع الغذاء في دولة قطر"، الذي يسلط بعضَ الضوء على الأنموذج الذي اعتمدته الدوحة في إدارة مسألة الأمن الغذائي في ظل الحصار، عارضًا بعض الحقائق عن آثار الحصار المفروض على الإمدادات الغذائية في حزيران/ يونيو 2017، مع تحليل كيفية تعامل صناع القرار في قطاع الغذاء مع الحصار، ومن ثم اقتراح بعض التوصيات بشان كيفية تعزيز الأمن الغذائي في قطر في المستقبل تحت شعار "معًا لدعم المنتجات الوطنية" ضمن مبادرة "منتج وطني". وكان الهدف من الحملة دعم المنتج الوطني وتسويقه في الأسواق المحلية، ودعم المستثمرين وإتاحة الفرص لهم للوصول بسهولة إلى المستهلك، في إطار تنسيق الوزارات المعنية مع المجمعات التجارية والاستهلاكية لعرض المنتجات الوطنية على نحوٍ واضح.
الصحة والدواء
يبحث الفصل السابع "إدارة الأزمة في قطاعي الصحة والدواء"، الذي أعده موسى علاية العفري ومريم العمادي، في تداعيات أزمة الحصار على قطاع الصحة والدواء، والتحديات التي واجهت دولة قطر في هذا القطاع، وكيفية تعاملها مع هذا الملف خلال الحصار، وردات الأفعال والخطط الاستراتيجية لمواجهة التحديات، والدروس المستفادة منها. ووفق الاتفاقيات التجارية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، أصبح التصدير المباشر إلى قطر من طريق جبل علي، وهو ميناء بحري في دولة الإمارات العربية المتحدة يحوي مركزًا لتصدير الدواء وتتمركز فيه مكاتب الشركات الإقليمية والعالمية لصناعة الأدوية والمعدات والمستلزمات الطبية، مخالفًا الاتفاق القانوني لهذه الشركات مع موزعيها في الإمارات العربية المتحدة. فأخطرت قطر بعد الحصار الشركات الطبية الكبرى الموردة إلى المنطقة برغبتها في نقل مكاتبها في المملكة العربية السعودية والإمارات إلى دول أخرى (تركيا، والكويت، وعمان، وإيران، وأوروبا)، فاعتمدت الشركات التحويل مباشرة إلى قطر من المصانع؛ ومن ثمّ، كانت تغطية التموين الطبي كاملة في فترة وجيزة.
الرياضة في الحصار
يناقش إيهاب محارمة، في الفصل الثامن الذي جاء بعنوان "استجابة استراتيجية قطر في قطاع الرياضة لأزمة حصار عام 2017"، إدارةَ الأزمة في قطاع الرياضة. ويسعى للفت الانتباه إلى استراتيجية قطر في هذا القطاع، بوصفها استراتيجية لم تحظَ باهتمام كبير في البحوث والدراسات المنشورة عن قطر وتداعيات أزمة الحصار عليها، وكشف دورها في تعزيز قدرة قطر على مواجهة الحصار. يكشف الباحث مفهوم "الدول الصغيرة"، ويناقش بإيجاز التطورات التي مرّت بها، ويسلط الضوء على قطر بوصفها دولة صغيرة تعاني تحديات سياسية وأمنية بسبب صِغَر مساحتها. ويبحث أيضًا تطورات استراتيجية قطر في قطاع الرياضة، بوصفها أداةً من أدوات قوتها الناعمة ضمن أربعة مكونات رئيسة هي: استضافة أحداث رياضية قارية ودولية كبرى، والاستثمار في الرياضة العالمية، وتعزيز العلامة الرياضية، وأخيرًا تطوير الفرق والأندية المحلية والمنشآت الرياضية والبنى التحتية داخل قطر. وفي هذا السياق، جرى التركيز على دور استراتيجية قطر في قطاع الرياضة في مقاومة حصار عام 2017 .
ناقش هذا المشروع البحثي انعكاسات الحصار السلبية على دولة قطر وسكانها، مواطنين ومقيمين، من النواحي كافة، السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والغذائية والصحية والرياضية، وتأطير هذا النقاش بأنموذج الدوحة في إدارة الأزمات.