في باب "دراسات"، يُفتتح العدد بدراسة في المصادر الإسلامية المبكرة بعنوان "ماهية المصادر الإسلاميّة المبكّرة واختلاف آراء الباحثين في أهميّتها التاريخيّة"، أعدّتها المؤرخة التونسية حياة عمامو، حيث تعالج آراء الباحثين بخاصة المستشرقين في تقييم هذه المصادر غير المباشرة في كتابة تاريخ المسلمين الأوّل. وللاطلاع على هذا الاختلاف بين الباحثين وحسمه، قامت عمامو بذكر المقاربات التي اعتمدها المؤرخون في أواخر القرن التاسع عشر والقرن العشرين ضمن ثلاثة اتجاهات؛ وهي: المقاربة الوصفية، والمقاربة النقدية، والمقاربة التشكيكية، وقامت بتحليل كل منها.
أمّا الدراسة الثانية، فهي " صورة البيزنطيين في الحضارة العربية من خلال اللغة" للمؤرخ الراحل محمد الطاهر المنصوري. ويتناول عنصر "اللغة"، الذي كان غائبًا عن تناول الدارسين لصورة البيزنطيين وصورة العرب والتبادل بين الطرفين في جوانب مختلفة، وهو ما حاولت هذه الدراسة التطرق إليه والتي يمكن عدّها بحثًا في تاريخ الذهنيات؛ إذ يسمح بفهم آليات التوظيف اللغوي العربي عند الحديث عن الآخر وأثر المُتخيل في ذلك.
وتقدم دراسة "في الطريق إلى دار السعادة: مشاهدات عالم شامي في الأناضول وإسطنبول سنة 1530"، وهي دراسة مشتركة للمؤرخ عبد الرحيم أبو حسين وطارق أبو حسين، معالجةً لطبيعة العلاقة بين العرب والأتراك، وما انطوت عليه من سوء الفهم أو الأحكام المسبقة في هذه الفترة المبكرة من دخول بلاد الشام تحت الحكم العثماني، وذلك من خلال رحلة العالم الدمشقي محمد بدر الدين الغزي بُعيد الفتح العثماني لبلاد الشام إلى إسطنبول عام 1530.
أمّا دراسة "الأسرى المغاربة في أوروبا في الفترة 1772-1775 من خلال الأرشيف الوطني التونسي"، للباحث الأمجد بوزيد، فقد سعت إلى توضيح العلاقة بين القرصنة البحرية والأسر، والتعريف بمظهر من مظاهر توتر العلاقات بين أوروبا والإيالات العثمانية الثلاث: تونس والجزائر وطرابلس الغرب، وذلك من خلال العودة إلى الأرشيف الوطني التونسي ودراسة عيّـنات من أسرى بلدان المغرب في أوروبا خلال الفترة 1772-1775.
وفي جانب الرحلات أيضًا، جاءت دراسة "الرحلات الفرنسية إلى الجنوب المغربي خلال القرن 19: الوقائع والتمثلات " لمحمد أيتجمال. وقد تناول في هذه الدراسة عرض كتابات الرحالة والمكتشفين الذين أرسلتهم فرنسا خلال القرن التاسع إلى الجنوب المغربي وتفنيدها، حيث كانت هذه الكتابات تكريسًا لصورة نمطية متكررة، تؤطرها عدة مرجعيات عميقة في التاريخ الأوربي.
أمّا دراسة الباحث فاتح رجب قدارة "التأريخ للأحداث المعاصرة من خلال المذكرات والشهادات الشخصية (الحالة الليبية أنموذجًا)"، فقد ركّزت على التعريف بالمذكرات والشهادات الشخصية وخلفيات تدوين عدد من هذه النماذج المستخدمة في الدراسة، وبروز هذه الظاهرة في المشهد الليبي، وإجراء دراسة نقدية مقارنة لنماذج من كتابات الساسة والفاعلين ورؤاهم في الأحداث الكبرى التي مثّلت منعطفات تاريخية في سيرورة الحدث الليبي منذ عام 1951 حتى الزمن الراهن. وفي الموضوع نفسه، تأتي دراسة "الشاهد والمؤرخ في المغرب: صراع أم تكامل؟" للمؤرخ عبد العزيز الطاهري، إذ يتناول جدلية العلاقة بين الشاهد (الفاعل التاريخي، والسياسي خاصةً) والمؤرخ الجامعي، بين الشهادة والتاريخ، وذلك بالتركيز على المغرب في مرحلة ما بعد ما بعد سنة 1956 وانتهاء مرحلة الحماية.
أمّا باب "وثيقة"، فيتناول رحلة أحمد بن محمد بن الحسن السبعي الحسني الإدريسي الدرقاوي خلال أواخر القرن التاسع عشر إلى بلاد الحجاز " مشاهد من الحجاز أواخر القرن التاسع عشر" للباحث الحاج ساسيوي. وتتناول رصد جوانب عدة من الوضع العام الحجازي، كالمجتمع (الطبائع والعادات، والخريطة العقدية والمذهبية والطرقية، والمرض والأوبئة والموت، وغير ذلك)، والاقتصاد (الفلاحة، ووسائل النقل والطرق، وغيرها).
وفي باب الترجمات، يُقدّم العدد ترجمةً لدراسة راناجيت غُهَا الشهيرة "نثر مكافحة التمرد"، أعدّها الباحث ثائر ديب؛ إذ يحلل، التأريخَ الذي تناول حركات التمرد الفلاحية في الهند المستعمَرة. وأطروحته الأساسية في هذا التحليل هي أنَّ المؤرخين الذين درسوا هذه الحركات لم يأخذوا في الحسبان وعيَ الفلاحين الخاص، ولذلك وصفوا تمرداتهم بأنها هبّات عفوية أو اكتفوا بدراسة خلفيتها الاقتصادية والاجتماعية. كما يحاول تهيئة الأرضية لمنهجية جديدة في التأريخ، منهجية تعيد الاعتبار لوعي التابع، بما في ذلك تديّنه، وتترك له أن يتكلم ويفعل بوصفه ذات تاريخه.
أمّا باب المراجعات، فقد ضمّ ثلاث مراجعات كتب؛ وذلك لكل من رائد السمهوري لكتاب حملات كسروان في التاريخ السياسي لفتاوى ابن تيمية، وعبد الرحيم بنحادة لكتاب أطلس تاريخي تونسي في القرن السادس عشر، وعبد الحي الخيلي الذي قدّم قراءةً في كتاب جنّة الكفار: سفير عثماني في باريس سنة 1721، بعنوان " العثمانيون وإرهاصات الحداثة".
يختتم العدد أبوابه بـ "ندوة أسطور"، وهي تشتمل على تسع دراساتٍ من أوراق الندوة التي نظّمها قسم التاريخ بمعهد الدوحة للدراسات العليا ومجلة "أسطور"، خلال الفترة 26-27 كانون الأول/ ديسمبر 2016، في الدوحة، بعنوان "اقتسام العالم: بمناسبة مرور مئة سنة على اتفاقية سايكس - بيكو". وجاءت في ثلاثة محاور: سايكس بيكو: السيرورة والرهانات، والمشرق العربي وقضايا تقسيم العالم، وتقسيم العالم: المرجعيات والهويات. ويختتم العدد مواده بتقرير عن المؤتمر السنوي الرابع للدراسات التاريخية الذي عقد في بيروت، بعنوان "العرب: من مرج دابق إلى سايكس - بيكو (1516-1916): تحولات بُنى السلطة والمجتمع، من الكيانات والإمارات السلطانية إلى الكيانات الوطنية"، وذلك في 21 و22 نيسان/ أبريل 2017.