تقدم المجلة في هذا العدد نخبةً من الدراسات وعروضًا بيبليوغرافية متنوعة، إضافةً إلى باب "ترجمات" الذي اعتادت المجلة أن تترجم فيه نصوصًا تاريخية. واشتمل العدد على "ندوة أسطور" التي جاءت تحت عنوان "عندما يصبح التاريخ علم الدولة في العالم العربي". وختمت المجلة أبوابها بتقرير ندوة حول كتاب "سجلات المحكمة الشرعية: الحقبة العثمانية، المنهج والمصطلح" للدكتور خالد زيادة.
في باب "دراسات"، يُفتتح العدد بدراسة في المصادر الإسلامية المبكرة بعنوان "موقف بيزنطة الرسمي من الإسلام كما تخيله أبو سفيان: تأثير المخيال في النظر إلى الذات وإلى الآخر"، أعدها بشير العبيدي، وتدعي الدراسة أنّ أبا سفيان لم يلتقِ هرقل، وإنما اختلق القصة ضمن سياق تاريخي مخصوص؛ فقد كان يفكر في مكانته في المجتمع الجديد، وفي صورته لدى المسلمين، أكثر مما كان يفكر في صورة الإسلام. ويبين الباحث كيفية مساهمة هذه الرواية في تشكيل جانب من الذهنية العربية الإسلامية المبكرة التي كانت تبحث لذاتها عن صورة لدى الآخر البيزنطي؛ تتخذها مبررًا للقبول به من ناحية، وتحقق لها الرضا عن النفس من ناحية أخرى.
أما الدراسة الثانية، فهي "مصنفات الآداب السلطانية الساسانية في بلاط العباسيين الأوائل وسؤال الانتقال ومسوغاته" لنصير الكعبي الذي يتناول سؤالًا أساسيًا يتعلق بالعوامل العميقة لانتقال الأدبيات السلطانية الساسانية من محيطها الأول (الفارسي/ الزرادشتي) إلى محيط آخر مغاير لها (العربي/ الإسلامي). ويركز الباحث على العوامل الاجتماعية في عملية الانتقال، محاولًا فحص العوامل التقليدية؛ فعالج الموضوعات الأساسية الآتية: أسباب نشوء الأدبيات السلطانية الساسانية في سياقها الأول، ثم حاجات الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور الشرعية ومواجهة المعارضة، وأهمية ترجمة الآداب السلطانية الساسانية في تلك التحديات.
وتقدم دراسة "التجديد في مجال علم التاريخ في البلاد التونسية بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر ميلاديًا"، معالجةً للملامح الكبرى لصورة المؤرخ وعلم التاريخ في البلاد التونسية خلال الفترة العثمانية. ويتضح أن هذه المعطيات تداخلت فيها الجوانب الفكرية والمعرفية والمنهجية؛ ذلك أنّ المؤرخ أصبح منخرطًا في مشروع مجتمعي قوامه بناء الدولة المجالية في كل تجلياتها.
أما دراسة "في إنتاج المعرفة التاريخية بالمغرب"، للمؤرخ عبد الرحيم بنحادة، فقد سعت لملامسة إنتاج المعرفة التاريخية في المغرب منذ الاستقلال، من خلال التوقف عند ثلاث لحظات أساسية. فاللحظة الأولى تتعلق بمنتج المعرفة التاريخية وأجيال المنتجين. أما الثانية، فقد خصصت للمجالات التي خاض فيها المنتجون واقتصرت على مجالات خمسة تعكس توجهات البحث التاريخي في المغرب. وأما اللحظة الثالثة، فتقف عند آليات نشر المعرفة التاريخية؛ إذ عرضت لغياب ناشر للمعرفة التاريخية بعد محاولات عدة وعدم استقرار وانتظام في إصدار مجلات تاريخية متخصصة.
وفي ما يتعلق بدراسات النخب، جاءت دراسة "تواصل النخب والتشكيلات الجزائرية مع الحركة الإصلاحية" لنور الدين ثنيو الذي تناول في هذه الدراسة العلاقات بين النخب والتشكيلات الجزائرية مع الحركة الإصلاحية؛ متمثلة بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، لاستكمال جوانبها الناقصة، خاصة منها فهم الدين وتداول اللغة العربية، من أجل الإفصاح عن الهوية وتشكلها في سياق وضع استعماري خطير شهدته الجزائر إبان الحكم الفرنسي، بدايةً من ثلاثينيات القرن العشرين، بعد تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين عام 1931.
واختتم الباب بدراسة للباحث ياسين اليحياوي بعنوان "الذاكرة الجمعية موضوعًا للبحث التاريخي: دراسة في نماذج مختارة من مؤرخي الجيل الثالث لمدرسة الحوليات". وقد ركز الباحث على دراسة تطور الأبحاث حول "الذاكرة الجمعية"، مستندًا في ذلك إلى ثلاث مقاربات، تعود الأولى إلى بيير نورا التي ضمنها مقاله المنشور في كتاب التاريخ الجديد (1978)، والثانية إلى جاك لوغوف في فصل من كتابه التاريخ والذاكرة (1988)، والثالثة إلى فيليب جوتارد في العمل الموسوعي الذي حرره فرونسوا دوس بمعية مؤرخين آخرين (2010).
وفي باب "ترجمات"، يقدم العدد ترجمةً فصل من كتاب لكارلو غينزبرغ بعنوان "التاريخ الجزئي: شيئان أو ثلاثة أشياء أعرفها عنه"، أعدّها الباحث ثائر ديب. وتتقصى هذه المقالة، على نحوٍ راجعٍ، أصول مصطلح "التاريخ الجزئي" لدى مختلف الباحثين والأدباء والمؤرخين، وصولًا إلى استخدامه لدى المدرسة الإيطالية. وتكتشف، في سياق ذلك، ضروبًا من التشابه والتباين في هذه الاستخدامات تعود إلى ما يقف خلفها من مقاربات مختلفة، بل متضادة في بعض الأحيان.
أما باب "مراجعات كتب"، فقد ضم ثلاث مراجعات متمثّلة بمراجعة محمد العمراني لكتاب "الأقلية الإسلامية في صقلية بين الاندماج والصدام وصراع الهوية (484-591هـ/1091-1194م): مساهمة في دراسة تاريخ الأقليات" للمؤلف إبراهيم القادري بوتشيش، ومراجعة مصطفى الغاشي لكتاب "سفارتنامه محمد أفندي إلى باريس سنة 1721" للمؤلف عبد الرحيم بنحادة، ومراجعة بلال محمد شلش لكتاب (سيرة ذاتية) "درب الأشواك: صفحات من تاريخ المقاومة في فلسطين" للمؤلف سليم حجة.
اشتمل العدد، أيضًا، على باب "ندوة أسطور"، وقد ضمّت خمس أوراق من الندوة التي نظمها قسم التاريخ بمعهد الدوحة للدراسات العليا ومجلة "أسطور"، بعنوان "عندما يصبح التاريخ علم الدولة في العالم العربي"، يومي 15 و16 كانون الثاني/ يناير 2017، في الدوحة - قطر. قاربت الندوة الموضوعَ، وفق نماذج عربية مرتبطة بعلاقة المؤرخ بالدولة، وقيم المواطنة والتحديث والكتابة التاريخية، والإصلاح، والأحداث المتخلية. ويختتم العدد أبوابه بتقرير حول ندوة عُقدت في بيروت متعلقة بكتاب خالد زيادة "سجلات المحكمة الشرعية".